للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولِنا الذي أَرْسَلناه إليكم أيُّها الناسُ بإنذارِكم عقابَنا، بينَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ، وإعذارِنا إليكم بما فيه قطعُ حُجَجِكم، إلا أن يؤدِّيَ إليكم رسالتَنا، ثم إلينا الثوابُ على الطاعةِ، وعلينا العقابُ على المعصيةِ. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. يقولُ: وغيرُ خَفيٍّ علينا المطيعُ منكم، القابلُ رسالَتَنا، العاملُ بما أمَرتُه بالعملِ به، من [العاصى الآبي رسالتَنا] (١)، التاركِ العملَ بما أمَرتُه بالعملِ به؛ لأنا نعلَمُ ما عمِله العاملُ منكم، فأَظْهَره بجوارحِه، ونطَق به بلسانِه، ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. يعني: ما تُخْفونه في أنفسِكم؛ من إيمانٍ وكفرٍ، أو يقينٍ وشكٍّ ونفاقٍ. يقولُ تعالى ذكرُه: فمن كان كذلك لا يَخْفَى عليه شيءٌ من ضمائرِ الصدورِ، وظواهرِ أعمالِ النفوسِ، مما في السماواتِ وما في الأرضِ، وبيده الثوابُ والعقابُ، فحقيقٌ أن يُتَّقَى، وأن يُطاعَ فَلا يُعْصَى.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : قل يا محمدُ: لا يَعْتَدِلُ الردئُ والجيِّدُ، والصالحُ والطالحُ، والمطيعُ والعاصى، ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾. يقولُ: لا يعتدلُ العاصى والمطيعُ للهِ عندَ اللهِ، ولو كثر أهلُ المعاصى، فعجِبتَ من كثرتِهم؛ لأن أهلَ طاعةِ اللهِ هم المفلحون، الفائزون بثوابِ اللهِ يومَ القيامةِ، وإن قلُّوا، دونَ أهلِ معصيتِه، وإن أهلَ معاصيه هم الأخسرون الخائبون، وإن كثُروا. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه : فلا تَعْجَبَنَّ من كثرةِ مَن يَعصِى الله، فيُمْهِلُه ولا يُعاجِلُه بالعقوبةِ، فإن العُقْبى الصالحةَ لأهل طاعةِ اللهِ عندَه، دونَهم.

كما حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾. قال:


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "المعاصى التي رسالتنا"، وفى م: "العاصي"، وفى س: "المعاصي"، والمثبت هو الصواب.