للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قولٌ لا دلالةَ على صحتِه مِن ظاهرِ التنزيلِ، ولا مِن خبرٍ يجبُ التسليمُ له، وإذا خلا القولُ مِن دلالةٍ على صحتِه مِن بعضِ الوجوهِ التي يجبُ التسليمُ لها كان بَيِّنًا فسادُه.

وقال آخرُ منهم أيضًا: معنى الفاءِ في هذا الموضعِ معنى الواوِ، وقال: تأويلُ الكلامِ: وكم مِن قريةٍ أهلكْناها وجاءها بأسُنا بياتًا.

وهذا قولٌ لا معنى له، إذ كان للفاءِ عندَ العربِ [مِن الحُكْمِ] (١) ما ليس للواوِ في الكلامِ، فصَرْفُها إلى الأغلبِ مِن معناها عندَهم ما وُجِد إلى ذلك سبيلٌ، أَوْلى مِن صرفِها إلى غيره.

فإن قال: وكيف قيل: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾. وقد علِمتَ أن الأغلبَ مِن شأنِ (أو) في الكلامِ اجْتلابُ الشكِّ، وغيرُ جائزٍ أن يكونَ في خبرِ اللهِ شكٌّ؟

قيل: إن تأويلَ ذلك خلافُ ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى الكلامِ: وكم مِن قريةٍ أهْلكناها فجاء بعضَها بأسُنا بياتًا، وبعضَها وهم قائِلون. ولو جَعَل مكانَ "أو" في هذا الموضِع الواوَ، لكان الكلامُ كالمُحالِ، ولصار الأغلبُ مِن معنى الكلامِ أن القريةَ التي أهْلكها اللهُ جاءها بأسُه بيانًا وفى وقتِ القائلِة. وذلك خبرٌ عن البأسِ أنه أَهْلَكَ مَن قد هَلَكَ، وأفنَى مَن قد فَنِىَ، وذلك مِن الكلامِ خَلْفٌ (٢). ولكنَّ الصحيحَ مِن الكلامِ هو ما جاء به التنزيلُ، إذ لم يَفْصِلِ القرى التي جاءها البأسُ بياتًا، مِن القرى التي جاءها ذلك قائلةً. ولو فُصِلت لم يُخْبَر عنها إلا بالواو.

وقيل: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾. خبرًا عن القريةِ أن البأسَ أتاها، وأجرى الكلامَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "للحكم".
(٢) الخَلْف: الردئ من القول. اللسان (خ ل ف).