للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذكَر لنبيِّه ﷺ الذي كان مِن ذِكرِه آدمَ ﷺ حينَ أراد خلقَه، ومُراجعةِ الملائكةِ إياه فيما ذكَر لهم منه، فلما عزَم اللهُ تعالى ذكرُه على خلْقِ آدمَ قال للملائكةِ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٨]. بيدَيْه تَكْرِمةً له، وتَعْظيمًا لأمرِه، وتَشْريفًا له، حفِظَتِ الملائكةُ عهدَه، ووَعَوْا قولَه، وأجْمَعوا لطاعتِه، إلا ما كان مِن عدوِّ اللهِ إبليسَ، فإنه صمَت على ما كان في نفسِه مِن الحسدِ والبغْيِ والتكَبُّرِ والمعصيةِ.

وخلَق اللهُ آدمَ ﵇ مِن أَدَمةِ الأرضِ؛ مِن طينٍ لازبٍ مِن حمَأٍ مسنونٍ بيديه، تكرِمةً له، وتَعْظيمًا لأمرِه، وتَشْريفًا له على سائرِ خلْقِه.

قال ابنُ إسحاقَ: فيُقالُ واللهُ أعلمُ: خلَق اللهُ آدمَ، ثم وضَعه يَنْظُرُ إليه أربعين عامًا قبلَ أن يَنْفُخَ فيه الرُّوحَ حتى عاد صَلصالًا كالفَخارِ، ولم تَمسسْه نارٌ. قال: فيُقالُ واللهُ أعلمُ: إنه لمَّا انْتَهى الروحُ إلى رأسِه عطَس، فقال: الحمدُ للهِ. فقال له رُّبه: يَرْحَمُك (١) ربُّك. ووقَع الملائكةُ حينَ اسْتَوَى سجودًا له؛ حفظًا لعهدِ اللهِ الذي عهِد إليهم، وطاعةً لأمرِه الذي أمَرهم به، وقام عدوُّ اللهِ إبليسُ مِن بينِهم فلم يَسْجُدْ، مُكابِرًا مُتَعَظِّمًا، بَغْيًا وحسدًا، فقال له: ﴿يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾. إلى: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٧٥ - ٨٥]. قال: فلمَّا فرَغ اللهُ مِن إبليسَ ومن مُعاتَبتِه، وأبَى إلا المعصيةَ، أوْقَع عليه اللعنةَ، وأخْرَجه مِن الجَنَّةِ، ثم أقْبَل على آدمَ وقد علَّمه الأسماءَ كلَّها، فقال: ﴿يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ أي: إنما أجَبْناك فيما علَّمْتَنا، فأما ما لم


(١) في الأصل: "رحمك".