للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قومٍ في القيامةِ، ويُخِفُّ (١) موازينَ آخرين، وتظاهَرت الأخبارُ عن رسولِ اللهِ ﷺ بتحقيقِ ذلك، فما الذي أوجبَ لك (٢) إنكارَ الميزانِ أن يكونَ هو الميزانَ الذي وصَفنا صفتَه، الذي يتعارفُه الناسُ؟ أحجةُ عقلٍ؟ فقد (٣) يقالُ: وجهُ صحتِه مِن جهةِ العقلِ، وليس في وزنِ اللهِ جلّ ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالِهم، لتعريفهم أثقلَ القِسمين منها بالميزانِ، خروجٌ من حكمةٍ، ولا دخولٌ في جورٍ في قضيةٍ، فما الذي أحالَ ذلك عندَك من حجةِ (٤) عقلٍ أو خبرٍ؟ إذ كان لا سبيلَ إلى حقيقةِ القولِ بإفسادِ ما لا يدفَعُه العقلُ إِلا مِن أحدِ الوجهَين اللذين ذكرتُ، ولا سبيلُ إلى ذلك. وفى عدمِ البرهانِ على صحةِ دَعْواه من هذين الوجهين، وضوحُ فسادِ قولِه، وصحةِ ما قاله أهلُ الحقِّ في ذلك.

وليس هذا الموضعُ من مواضعِ الإكثارِ في هذا المعنى على من أنكَر الميزانَ الذي وصفْنا صفتَه، إذ كان قصدُنا في هذا الكتابِ البيانَ عن تأويلِ القرآنِ دونَ غيرِه. ولولا ذلك لقَرَنَّا إلى ما ذكرنا نظائرَه، وفى الذي ذكَرْنا من ذلك كفايةٌ لمَن وُفِّق لفهمِه إن شاء اللهُ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (٩)﴾.

يقولُ جلّ ثناؤُه: ومَن خَفَّتْ موازينُ أعمالِه الصالحةِ، فلم تثقُلْ بإقرارِه بتوحيدِ اللهِ، والإيمانِ به وبرسولِه، واتباعِ أمرِه ونهيهِ، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسَهم حظوظَها من جزيلِ ثوابِ اللهِ وكرامتِه، ﴿بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾. يقولُ:


(١) في م: "يخفف".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "ذلك".
(٣) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ٣، س، ف: "أن".
(٤) بعده في النسخ: "أو". والصواب بحذفها كما أثبتناه.