للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَكِدًا﴾. قال: الطيبُ ينفعُه المطرُ فيَنْبُتُ، ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾: السِّباخُ لا ينفعُه المطرُ، لا يخرُج نباتُه إلا نَكِدًا. قال: هذا مثلٌ ضرَبه اللهُ لآدمَ وذرِّيته كلِّهم، إنما خُلِقوا مِن نفسٍ واحدةٍ، فمنهم مَن آمَن باللهِ وكتابِه، فطابَ، ومنهم مَن كفَر باللَّهِ وكتابِه، فخَبُث (١).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)﴾.

أقسَمَ ربُّنا جلَّ ثناؤُه للمُخاطَبِين بهذه الآيةِ، أنه أرسَل نوحًا إلى قومِه، مُنْذرَهم بأسَه، ومَخوِّفَهم سَخَطَه، على عبادتِهم غيرَه، فقال لمَن كفَر منهم: يا قومِ اعبُدوا الله الذي له العبادةُ، وذِلُّوا له بالطاعةِ، واخْضَعوا له بالأستكانةِ، ودَعُوا عبادةَ ما سِواه مِن الأنْدادِ والآلهةِ، فإنه ليس لكم [إلهٌ - يعنى معبودًا -] (٢) يَسْتَوجبُ عليكم العبادةَ غيرُه، فإنى أخافُ عليكم إن لم تَفْعَلوا ذلك ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. يعنى: عذابَ يومٍ يَعْظُمُ فيه بلاؤُكم، بمَجيئِه إياكم بسَخَطِ رَبِّكم.

واختلفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿غَيْرُهُ﴾؛ فقرَأ ذلك بعضُ أهلِ المدينةِ والكوفةِ: (ما لكم من إلهٍ غيرِه) بخفضِ "غير" على النعتِ لـ "الإلهِ" (٣).

وقرأَه جماعةٌ من أهلِ المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ برفعِ "غير" (٤)، ردًّا لها على موضعِ ﴿مِنْ﴾؛ لأن موضعَها رفعٌ، لو نُزِعَت مِن الكلامِ لكان الكلامُ رفعًا. وقيل: ما لكم إلهٌ غيرُ اللَّهِ. فالعربُ - لِمَا


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٩٣ إلى المصنف.
(٢) سقط من: م، وفى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "يعني معبود".
(٣) وهي قراءة أبي جعفر والكسائي. النشر ٢/ ٢٠٣.
(٤) وبها قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف. المصدر السابق.