للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُلْقِيَ أَنتَ، أو أن نُلِقىَ نحن. والكلامُ مع "إما" إذا كان على وجهِ الأمرِ، فلابدَّ مِن أن يكونَ فيه "أن"، كقولِكَ للرجلِ: إما أن تَمْضِىَ، وإما أن تَقْعُدَ. بمعنى الأمرِ: امضِ أو اقعُد. فإذا كان على وجهِ الخبرِ لم يكنْ فيه "أن"، كقولِه: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦]. وهذا هو الذي يُسَمَّى التخييرُ (١)، وكذلك كلُّ ما كان على وجهِ الجزاءِ. و"إما" في جميعِ ذلك مكسورةٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)

يقولُ تعالى ذكرُه: قال موسى للسَّحَرةِ ألْقُوا ما أنتم مُلقُون، فألقت السحرةُ ما معهم، فلما الْقَوْا ذلك ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾. يقولُ (٢): خيَّلوا إلى أعينِ الناسِ بما أحدثوا مِن التخييلِ والخُدَعِ أنها تسعىَ، ﴿وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾. يقولُ: واسترهَبوا الناسَ بما سحَروا في أعيُنِهم، حتى خافوا مِن العِصِيِّ والحبالِ، ظنًّا منهم أنها حياتٌ، وجاءوا كما قال اللهُ: ﴿بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾: بتخييلٍ عظيمٍ كبيرٍ (٣) مِن التخييلِ والخداعِ.

وذلك كالذى حدَّثنا موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ [الشعراء: ٤٣، ٤٤]. وكانوا بضعةً وثلاثين ألفَ رجلٍ، ليس منهم رجلٌ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "الخبر". وقوله: وهذا هو الذي يسمى التخيير. عائد على الحكم الأول في دخول "أن" مع "إما" كالآية من سورة الأعراف، والمثل الذي مثل به المصنف، وأما الآية التي في سورة التوبة، فهذا ما يسمى الإبهام.
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت، س، ف.
(٣) في ص، م، ف: "كثير".