للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدلالةِ وأبينُ الحُجَّةِ على كذبِ مَقالةِ كلِّ مَن ادَّعَى شيئًا مِن علومِ الغيبِ، مِن الحُزاةِ (١) والكَهَنةِ والعافَةِ (٢) والمُتنَجِّمةِ.

وذكَّر بها الذين وصَفْنا أمرَهم مِن أهلِ الكتابِ، سَوالفَ نعمِه على آبائِهم، وأياديَه عندَ أسلافِهم، عندَ إنابتِهم إليه، وإقبالِهم إلى طاعتهِ، مُسْتَعْطِفَهم بذلك إلى الرَّشادِ، ومُسْتَعْتِبَهم به إلى النجاة، وحذَّرهم -بالإصرارِ والتمادى في الغَىِّ (٣) والضَّلالِ- حلولَ العِقابِ بهم، نظيرَ ما أحلَّ بعدوِّه إبليسَ، إذ تمادَى في الغَىِّ (٣) والخَسَارِ (٤).

وأما تأويلُ قولِه: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾. فهو كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ تَنْزِيهًا للهِ مِن أن يكونَ أحدٌ يَعْلَمُ الغيبَ غيرَه، تُبْنا إليك، ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ تَبَرِّيًا منهم مِن علمِ الغيبِ، إلَّا ما علَّمتنا كما علَّمْتَ آدمَ (٥).

و"سبحانَ" مصدرٌ لا تصَرُّفَ له، ومعناه: تسبيحَكَ (٦). كأنهم قالوا: نُسَبِّحُك تَسْبيحًا، ونُنَزِّهُك تَنْزيهًا، ونُبَرِّئُك مِن أن نَعْلَمَ شيئًا غيرَ ما علَّمْتَنا.

القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)﴾.

قال أبو جعفرٍ: وتأويلُ ذلك: إنك أنت يا ربَّنا العليمُ -مِن غيرِ تَعْليمٍ-


(١) الحزاة: جمع حاز، وهو الذى يحزر الأشياء ويقدرها بظنه. النهاية ١/ ٣٨٠.
(٢) في الأصل، م: "القافة". والعافة: جمع عائف، وهو المتكهن بالطير أو غيرها. التاج (ع ى ف).
(٣) في م: "البغى".
(٤) بعده في ص، ر، م: "قال".
(٥) تقدم بتمامه في ص ٤٨٥.
(٦) في ص، م، ت ١، ت ٢: "نسبحك".