للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظلمُه إياه مَجِيئُه في غيرِ أوانِه، وانصبابُه في غيرِ مَصَبِّه. ومنه ظلمُ الرجلِ جَزورَه، وهو نحرُه إياه لغيرِ علَّةٍ، وذلك عندَ العربِ وَضْعُ النحرِ في غيرِ موضعِه.

وقد يتفَرَّعُ الظُّلْمُ في معانٍ يَطولُ بإحْصائِها الكِتابُ، سنُبيِّنُها في أماكنِهِا إذا أتيْنا عليها، إنِ اللهُ شاء ذلك، وأصلُ ذلك كُلِّه ما وصَفْنا من وضعِ الشيءِ في غيرِ موضِعِه.

القولُ في تأويلِ قولِهِ ﷿: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾.

قال أبو جعفرٍ: اخْتَلَفتِ القَرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأَتْه عامَّتُهم: (﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾. بتشديدِ اللامِ (١)، بمعنى: اسْتَزَلَّهما، مِن قولِك: زَلَّ الرجلُ في دينِه. إذا هفَا فيه وأخْطَأ، فأَتَى ما ليس له إتيانُه فيه، وأزلَّه غيرُه، إذا سبَّب له ما يَزِلُّ مِن أجلِه في دِينِه أو دنياه، ولذلك أضاف اللهُ تعالى ذكرُه إلى إبليسَ خروجَ آدمَ وزوجتِه مِن الجنةِ فقال: ﴿فَأَخْرَجَهُمَا﴾. يعنى: إبليسُ أخرَجهما (٢) ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾؛ لأنه كان الذى سبَّب لهما الخطيئةَ التى عاقَبَهما اللهُ عليها بإخْراجِهما مِن الجنةِ.

وقرَأه آخَرون: (فأزَالهما) (٣). بمعنى إزالةِ الشيءِ عن الشيءِ، وذلك تَنْحِيتُه عنه.

وقد رُوِى عن ابنِ عباسٍ في تأويلِ قولِه: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ [ما حَدَّثَنَاهُ] (٤) القاسمُ، قال: حدَّثنا الحسينُ، قال: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: قولُه: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾. قال: أغواهما (٥).


(١) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ١٥٣.
(٢) سقط من ص، م، ت ٢.
(٣) وهى قراءة حمزة. المصدر السابق.
(٤) في ص: "الشيطان عنها، قال: أغواهما. حدثنا".
(٥) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ٨٧ (٣٨٦) من طريق ابن جريجٍ به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٥٣ إلى ابن المنذر.