للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوبِ المشركين: إن أحدًا لن (١) يَغْلِبَكم وأنتم تُقاتِلون على دينِ آبائِكم، ولن تُغلبوا كثرةً. فلمَّا الْتَقَوْا ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾. يقولُ: رجع مُدْبرًا وقال: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾. يعنى الملائكةَ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو مَعْشَرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ، قال: لمَّا أجمعت قريشٌ على السيرِ، قالوا: إنما نَتَخَوَّفُ مِن بنى بكرٍ. فقال لهم إبليس في صُورةِ سُراقةَ بن مالكِ بن جُعْشُمٍ: أنا جارٌ لكم مِن بنى بكرٍ، ولا غالبَ لكم اليومَ مِن الناسِ.

فتأويلُ الكلامِ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ في هذه الأحوالِ وحين زيَّن لهم الشيطانُ خروجَهم إليكم أيُّها المؤمنون الحربِكم وقتالِكم، وحسَّن ذلك لهم، وحثَّهم عليكم، وقال لهم: لا غالبَ لكم اليومَ مِن بنى آدمَ، فَاطْمَئِنوا وأَبْشِرُوا، ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ مِن كِنانةَ أن تَأْتِيَكم مِن ورائِكم فتُغِيرَكم؛ أُجِيرُكم وأَمْنَعُكم منهم، فلا تَخافوهم، واجْعَلوا حدَّكم (٢) وبأسَكم على محمدٍ وأصحابِه، ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ﴾. يقولُ: فلما تزاحَفَت جنودُ اللهِ مِن المؤمنين وجنودُ الشيطانِ مِن المشركين، ونظَر بعضُهم إلى بعضٍ، ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾. يقولُ: رجعَ القَهْقَرَى على قَفاه هاربًا. يقالُ منه: نكَص يَنْكُصُ ويَنْكِصُ نُكوصًا.

ومنه قولُ زُهَيْرٍ (٣):

هم يَضْرِبون حَبِيكَ البَيْضِ (٤) إذ لَحِقوا … لا يَنْكُصون إذا ما اسْتُلْحِموا وحَمُوا


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "لا".
(٢) في م، ف: "جدكم".
(٣) ديوانه ص ١٥٩.
(٤) البيض: جمع البيضة أي المغفر، وهو الخوذة، وحبيك البيض: طرائق حديده جمع حبيكة. ينظر اللسان (ح ب ك)، و (ب ي ض).