للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالصومِ والصلاةِ، ويَدَعُون العملَ بما يَأْمُرون به الناسَ، فعيَّرهم اللهُ جلّ ثناؤه بذلك، فمن أمَر بخيرٍ فلْيَكُنْ أشدَّ الناسِ فيه مُسارَعةً (١).

وقال آخَرون بما حدَّثنى به يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبَرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ هؤلاء اليهودُ كان إذا جاء الرجلُ يَسْأَلهم ما ليس فيه حقٌّ ولا رِشْوةٌ ولا شيءٌ، أمَروه بالحقِّ، فقال اللهُ جلّ ثناؤه لهم: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (٢).

وحدَّثني عليُّ بنُ الحسنِ، قال: حدَّثنا مسلمٌ الجَرْمِيُّ، قال: حدَّثنا مَخْلَدُ ابنُ الحسينِ، عن أيوبَ السَّخْتِيانىِّ، عن أبي قِلَابةَ في قولِ اللهِ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾. قال: قال أبو الدَّرْداءِ: لا يَفْقَهُ الرجلُ كلَّ الفقهِ حتى يمقُتَ الناسَ في ذاتِ اللهِ، ثم يَرْجِعَ إلى نفسِه فيَكونَ لها أشدَّ مَقْتًا (٣).

قال أبو جعفرٍ: وجميعُ الذي قال في تأويلِ هذه الآيةِ مَن ذكَرْنا قولَه متقاربُ المعنى؛ لأنهم وإن اخْتَلَفوا في صفةِ "البِرِّ" الذي كان القومُ يَأمُرون به غيرَهم الذين وصَفَهم اللهُ جل ثناؤه بما وصَفَهم به، فهم مُتَّفِقون في أنهم كانوا يَأْمُرُون الناسَ بما للهِ فيه رضًا مِن القولِ والعملِ، ويُخالِفون ما أمَروهم به مِن ذلك إلى غيرِه بأفعالِهم.


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٢١ عن ابن جريج.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٢١ عن ابن زيد.
(٣) أخرجه معمر في جامعه (٢٠٤٧٣)، وابن أبي شيبة ١٣/ ٣٠٦، والخطابى في العزلة ص ٨٢، وأبو نعيم في الحلية ١/ ٢١١، والبيهقي في الأسماء والصفات (٦١٩) من طريق أيوب به بنحوه. وزاد معمر في أوله: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهًا كثيرة. وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، قال الحافظ في الفتح ١٣/ ٣٨٣: رجاله ثقات إلا أنه منقطع.