للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرى، أنه صلواتُ اللهِ عليه قد كان على علمٍ مِن أن (١) السَّحَرَةَ إنما جاء بهم فرعونُ ليُغالبوه على ما كان جاءَهم به مِن الحقِّ الذى كان الله آتاه، فلم يكنْ يذهبُ عليه أنهم لم يكونوا يُصَدِّقونه فى الخبرِ عما جاءوه به مِن الباطلِ، فيستَخبِرَهم أو يَسْتَجير استخبارَهم عنه، ولكنه صلواتُ اللهِ عليه أعلَمَهم أنه عالمٌ بِبُطُولِ ما جاءوا به مِن ذلك بالحقِّ الذى أتاه، ومُبطِلٌ كيدَهم بجَدِّه، وهذه أَولى بصفةِ رسولِ اللهِ مِن الأخرى.

فإن قال قائلٌ: فما وجَهُ دخولِ الألفِ واللام في السحرِ، إن كان الأمرُ على ما وَصَفتَ؟ وأنت تعلمُ أن كلامَ العربِ في نظيرِ هذا أن يقولوا: ما جاءنى به عمرٌو درهمٌ، والذى أعطانى أخوك دينارٌ. ولا يَكادُون أن يقولوا: الذي أعطاني أخوك الدرهمُ، وما جاءني به عمرٌو الدينارُ.

قيل له: بلى، إن كلامَ العربِ إدخالُ الألفِ واللامِ في خبرِ ما والذي، إذا كان الخبرُ عن مَعهودٍ قد عَرَفه المخاطَبُ والمخاطِبُ، بل لا يجوزُ إذا كان ذلك كذلك إلا بالألفِ واللامِ؛ لأن الخبرَ حينئذٍ خبرٌ عن شيءٍ بعينه معروفٍ عندَ الفريقين، وإنما يأتى ذلك بغيرِ الألفِ، [واللامِ] (٢) إذا كان الخبرُ عن مجهولٍ غيرِ معهودٍ، ولا مقصودٍ قصْدَ شيءٍ بعينِه، فحينئذٍ لا تدخلُ الألفُ واللامُ في الخبرِ، وخبرُ موسى كان خبرًا عن معروفٍ عنده وعندَ السَّحَرةِ. وذلك أنها كانت نَسَبَت ما جاءهم به موسى مِن الآياتِ التى جَعَلَها اللهُ عَلَمّا له على صدقه ونُبُوَّته إلى أنه سحرٌ، فقال لهم موسى: السحرُ الذى وصَفْتُم به ما جئتُكم به مِن الآيات أيُّها السحرةُ، هو هذا (٣) الذي جئتم


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: ص، م، ف.
(٣) سقط من: ص، م، ف.