للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن قالوا: كلُّ اتِّعادٍ (١) كان بينَ اثنين للالتقاءِ أو (٢) للاجتماعِ، فكلُّ واحدٍ منهما مُواعِدٌ صاحبَه ذلك، فلذلك -زعَموا (٣) - وجَب أن يُقضَى لقراءةِ مَن قرَأ: ﴿وَاعَدْنَا﴾ بالاختيارِ على قراءةِ مَن قرَأ: (وَعَدْنَا).

وقرَأه بعضُهم: (وَعَدْنَا) (٤). بمعْنى أن اللهَ تعالى ذكرُه الواعدُ موسى، والمنفردُ بالوعدِ دونَه. وكان مِن حجتِهم في اختيارِهم ذلك أن قالوا: إنما تكونُ المُواعَدةُ بينَ البشرِ، فأما اللهُ جل ثناؤُه، فإنه المنفردُ بالوعدِ والوَعيدِ في كلِّ خيرٍ وشرٍّ. قالوا: وبذلك جاء التنزيلُ في القرآنِ كلِّه، فقال اللهُ جل ثناؤُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] وقال: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٧]. قالوا: فكذلك الواجبُ أن يكونَ هو المنفردَ بالوعدِ في قولِه: (وإذْ وَعَدْنا مُوسَى).

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ عندَنا في ذلك [مِن القولِ] (٥) أنهما قِراءتان قد جاءَت بهما الأُمَّةُ، وقرَأَت بهما القرأةُ، وليس في القراءةِ بإحداهما إبطالُ معنى الأُخْرى، وإن كان في إحداهما زيادةُ معنًى على الأُخْرى مِن جهةِ الظاهرِ والتِّلاوةِ؛ فأما مِن جهةِ المفهومِ بهما، فإنهما متَّفِقتان، وذلك أن مَن أخْبَر عن شخصٍ أنه وعَد غيرَه اللقاءَ بموضعٍ مِن الموَاضعِ، فمَعْلُومٌ أن الموعودَ ذلك واعدٌ صاحبَه مِن لقائِه بذلك المكانِ مثلَ الذى وعَده مِن ذلك صاحبُه، [إذا كان راضيًا مُجيبًا صاحبَه إلى ما وعده مثلَ الذى وعده من ذلك صاحبُه] (٦)، إذا كان وعدُه إياه ذلك عن اتفاقٍ منهما عليه. ومعلومٌ أن موسى صلواتُ اللهِ عليه لم يَعِدْه ربُّه الطورَ إلا عن رِضا موسى بذلك؛ إذ


(١) فى م: "إيعاد".
(٢) فى ص: "و".
(٣) بعده فى م: "أنه".
(٤) وهى قراءة أبى عمرو. السبعة لابن مجاهد ص ١٥٤.
(٥) سقط من: ص.
(٦) سقط من: ص، ر، م، ت ١، ت ٢.