للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"المؤمنِ": ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [غافر: ٨٣]. قال: قولُهم نحن أعلمُ منهم، ولن نُعذَّبَ. وقوله: ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [غافر:٨٣]. قال: حاق بهم ما جاءت به رسلُهم من الحقِّ.

وهذه قراءةٌ لا أستجيزُ القراءةَ بها، لإجماعِ الحجةِ من قرَأةِ الأمصارِ على خلافِها، ولو جازت القراءةُ بذلك لاحتملَ وجهَا من التأويلِ وهو أحسنُ مما تأوَّله مجاهدٌ، وهو: حتى إذا استيأَس الرسلُ من عذابِ اللهِ قومَها المكذِّبة بها، وظنَّت الرسلُ أن قومَها قد كَذَّبوا وافترَوا على اللَّهِ بكفرِهم بها. ويكونُ الظنُّ حينئذٍ موجَّهًا إلى معنى العلمِ، على ما تأوَّله الحسنُ وقتادةُ.

وأما قولُه: ﴿فَنُجِّيَ (١) مَنْ نَشَاءُ﴾. فإن القرَأةَ اختلَفت في قراءتِه؛ فقرَأه عامةُ قرَأةِ أهلِ المدينةِ ومكةَ والعراقِ: (فَنُنْجِى) - مُخَفَّفَةً (٢) - ﴿مَنْ نَشَاءُ﴾ بنونين (٣)؛ بمعنى: فنُنْجى نحن من نشاء من رسلِنا والمؤمنين بنا، دونَ الكافرين الذين كذَّبوا رسلَنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا. واعتلَّ الذين قَرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كُتب في المصحفِ بنونٍ واحدةٍ، وحكمُه أن يَكُونَ بنونين، لأن إحدى النونين حرفٌ من أصلِ الكلمةِ، من أنجى يُنْجِى، والأخرى النونُ التي تأتِي لمعنى (٤) الدَّلالةِ على الاستقبالِ، من فعلِ جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسِها، لأنهما (٥) حرفان، أعنى النونين من


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "فننجي".
(٢) سقط من: م.
(٣) تقدمت نسبة هذه القراءة في ص ٣٨٨.
(٤) في ت ١، ت ٢، س: "بمعنى".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "لأنها".