للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾. قال: إِن تَعْجَبْ من تكذيبِهم، وهم قد رأَوا من قدرةِ اللَّهِ وأمرِه، وما ضرَب لهم من الأمثالِ، فأَراهم من حياةِ الموتى في الأرضِ الميتةِ، إن تَعْجَبْ من هذه، فتَعَجَّبْ من قولِهم: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾. أو لا يَرَوْن أَنَّا خلَقناهم من نطفة، فالخلقُ من نطفةٍ أشدُّ أم الخلقُ من ترابٍ وعظامٍ (١)؟

واختلَف في وجهِ تكريرِ الاستفهامِ في قولِه: ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾. بعد الاستفهامِ الأولِ في قولِه: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا﴾ - أهلُ العربيةِ؛ فقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: الأولُ ظرفٌ، والآخرُ هو الذي وقَع عليه الاستفهامُ، كما تَقُولُ: أيومَ الجمعةِ زيدٌ منطلِقٌ؟ قال: ومَن أوقَع استفهامًا آخرَ على قولِه: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا﴾. جعله ظرفًا لشيءٍ مذكورٍ قبله، كأنهم قيل لهم: تُبعثون. فقالوا: ﴿أَإِذَا (٢) كُنَّا تُرَابًا﴾؟ ثم جعَل هذا استفهامًا آخرَ. قال: وهذا بعيدٌ. قال: وإن شئتَ لم تجعَلْ في قولِك: ﴿أَإِذَا﴾. استفهامًا، وجعلت الاستفهامَ في اللفظِ على "أثنا". كأنك قُلتَ: أيومَ الجمعةِ أعَبدُ اللَّهِ منطلقٌ؟ وأُضْمِرَ نفيُه، فهذا موضعٌ قد ابتدَأت فيه "أَئذَا" (٣)، وليس بكثيرٍ (٤) في الكلام، لو قُلتَ: اليومَ إِنَّ (٥) عبدَ اللَّهِ منطلقٌ. لم يَحْسُن. وهو جائزٌ. وقد قالت العربُ: ما علِمتُ إنه لصالحٌ. تُرِيدُ: إنه لصالحٌ ما علِمتُ (٦).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢٢٢١ (١٢١٣٠) من طريق أصبغ بن الفرج، عن ابن زيد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٤٤ إلى أبى الشيخ.
(٢) بعده في النسخ: "متنا و" والمثبت تلاوة للآية.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "بكذا".
(٤) في النسخ: "بكبير". والمثبت هو الصواب.
(٥) في م: "أثن".
(٦) ينظر تعليق الشيخ شاكر على كلام المصنف في هذا الموضع.