للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وقال: الصبرُ في هاتين؛ فصبرٌ للَّهِ على ما أحبَّ وإن ثَقُل على الأنفسِ والأبدانِ، وصبرٌ عما يَكْرَهُ وإن نازَعت إليه الأهواءُ، فمَن كان هكذا فهو مِن الصابرين. وقرَأ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)﴾.

وقولُه: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾. يقولُ: ويَدْفَعون إساءةَ مَن أساء إليهم مِن الناسِ بالإحسانِ إليهم.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾. قال: يَدْفَعون الشرَّ بالخيرِ، لا يُكافِئون الشرَّ بالشرِّ، ولكن يَدْفَعونه بالخيرِ (١).

وقولُه: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾. يَقُولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين وصَفنا صِفتَهم هم الذين لهم عُقبى الدارِ، يَقُولُ: هم الذين أعْقَبهم اللَّهُ دارَ الجنانِ مِن دارِهم التي لو لم يَكُونوا مؤمنين كانت لهم في النارِ، فأعقَبهم اللَّهُ مِن تلك هذه. وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عَقِيبَ طاعتِهم ربَّهم في الدنيا دارُ الجنانِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾؛ ترجمةٌ عن ﴿عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٢]. كما يقالُ: نِعْمَ الرجلُ عبدُ اللَّهِ. فعبدُ اللَّهِ هو الرجلُ المقولُ له: نِعْمَ الرجلُ. وتأويلُ الكلامِ: أولئك لهم عَقِيبَ طاعتِهم ربَّهم الدارُ التي هي جناتُ عدْنٍ.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٥٧ إلى المصنف.