للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهلِ جهنم لمن جحد وحدانيته، وعبد معه غيرَه، مِن عذابِ اللَّهِ الشديدِ.

القول في تأويل قوله عزّ ذكرُه: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣)﴾.

يعنى جلّ ثناؤُه بقوله: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾: الذين يختارون الحياةَ الدنيا ومتاعها ومعاصىَ الله فيها، على طاعة الله. وما يُقَرِّبُهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرةِ. ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾. يقولُ: ويَمْنعون من أراد الإيمان بالله واتباع رسوله، على ما جاء به من عندِ الله، من الإيمان به واتباعه. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾. يقولُ: ويَلْتَمِسون سبيل الله، وهى دينُه الذي ابتَعَث به رسوله، ﴿عِوَجًا﴾: تحريفا وتبديلا بالكذب والزور، و"العِوَج"، بكسرِ العَيْنِ وفتحِ الواوِ: في الدين والأرضِ وكلِّ ما لم يَكُنْ قائمًا، فأما في كلِّ ما كان قائما كالحائطِ والرُّمْحِ والسِّنِّ، فإنه يقالُ بفتح العين والواوِ جميعًا؛ "عَوَج". يقولُ اللَّهُ عزَّ ذكرُه: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالِ بَعِيدٍ﴾ يعنى هؤلاء الكافرين الذين يَسْتَحِبُّون الحياة الدنيا على الآخرةِ. يقولُ: هم في ذَهاب عن الحقِّ بعيدٍ، وأخذٍ على غير هدًى، وجَوْرٍ عن قصد السبيل.

وقد اختلف أهلُ العربية في وجهِ دُخول "على" في قوله: ﴿عَلَى الْآخِرَةِ﴾، فكان بعضُ نحويِّي البصرة يقولُ: أوصَل الفعلَ بـ (على)، كما قيل (١): ضربوه في السيفِ. يريدُ بالسيفِ، وذلك أن هذه الحروفَ يُوصَلُ بها كلِّها وتحذفُ، نحو قولِ العربِ: نزَلتُ زيدًا، ومررتُ زيدا، يريدون: مررتُ به، ونزلتُ عليه.

وقال بعضُهم: إنما أدخل ذلك؛ لأن الفعل يؤدِّى عن معناه من الأفعال (٢)،


(١) بعده في م: "في".
(٢) هذا هو المعروف عند النحاة بالتضمين.