للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمعنى الكلامِ إذن: فعَلْنا بهم ذلك مِن أجْلِ أنهم كانوا يَجْحَدون حُجَجَ اللهِ على توحيدِه وتصديقِ رسلِه، [ويُدَافِعون حقيقتَها] (١)، ويُكَذِّبون بها.

ويعنى بقولِه: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: ويَقْتُلون رسلَ اللهِ الذين ابْتَعَثَهم لإنباءِ ما أرْسَلَهم به عنه لمن أُرْسِلوا إليه.

وهم جِماعٌ، واحدُهم نبىٌّ بغيرِ همزٍ، وأصلُه الهمزُ؛ لأنه مِن: أنْبَأ عن اللهِ، فهو يُنْبِئُ عنه إنْباءً. وإنما الاسمُ منه مُنْبِئٌ، ولكنه صُرِف وهو مُفْعِلٌ إلى فَعِيلٍ، كما صُرِف سَميعٌ إلى فَعِيلٍ مِن مُفْعِلٍ، وبَصِيرٌ مِن مُبْصِرٍ، وأشْبَاهُ ذلك. أُبْدِلَ مكانَ الهمزةِ مِن النبئِ الياءُ، فقيل: نبىٌّ. هذا ويُجْمَعُ النبىُّ أيضًا أنْبياءَ، وإنما جمَعوه كذلك لإلحاقِهم النبىَّ، بإبدالِ الهمزةِ منه ياءً، بالنُّعوتِ التى تَأْتى على تقديرِ فَعِيلٍ مِن ذَواتِ الياءِ والواوِ، وذلك أنهم إذا جمَعوا ما كان مِن النُّعوتِ على تقديرِ فَعِيلٍ مِن ذواتِ الياءِ والواوِ، جمَعُوه على أَفْعِلاءَ، كقولهم: ولىٌّ وأوْلِياءُ، ووَصِىٌّ وأَوْصِياءُ، ودَعِىٌّ وأَدْعِياءُ. ولو جمَعوه على أصلِه الذى هو أصلُه، وعلى أن الواحدَ نبئٌ مَهْموزٌ، لجَمَعوه على فُعَلاءَ، فقيل: همُ النُّبآءُ. على مثالِ النُّبَغاءِ (٢)، لأن ذلك جمعُ ما كان على فَعِيلٍ مِن غيرِ ذَواتِ الياءِ والواوِ مِن النُّعوتِ، كجمعِهم الشريكَ شُرَكاءَ، والعليمَ عُلَماءَ، والحَكِيمَ حُكَماءَ، وما أشْبَهَ ذلك. قد حُكِى سَماعًا مِن العربِ في جمعِ النبىِّ: النُّبآءُ. وذلك مِن لغةِ الذين يَهْمِزون النبئَ ثم يَجْمَعونه النُّبآءَ، على ما قد بيَّنْتُ. ومِن ذلك قولُ عباسِ بنِ مِرْداسٍ السُّلَمىِّ، في مدحِ النبيِّ (٣):


(١) في م: "ويدفعون حقيتها".
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "النبآء".
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٤٦١.