للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البردِ - على هذا القولِ - هو أن المخاطَبِين بذلك كانوا أصحابَ حرٍّ، [فذكر اللهُ] (١) تعالى ذكرُه بذلك (٢) نعمتَه عليهم، بما يَقِيهم مكروهَ ما به عرَفوا مكروهَه، دونَ ما لم يَعْرِفوا مبلغَ مَكْروهِه، وكذلك ذلك في سائرِ الأحرفِ الأُخَرِ.

وقال آخرون: ذكَر ذلك خاصةً اكتفاءً بذكرِ أحدِهما مِن ذكرِ الآخرِ؛ إذ كان معلومًا عندَ المخاطبينِ به معناه، وأن السرابيلَ التي تَقِى الحرَّ تَقِى أيضًا البردَ. وقالوا: ذلك موجودٌ في كلامِ العربِ مستعملٌ، واسْتَشْهَدوا لقولِهم بقولِ الشاعرِ (٣):

وما أَدْرِى إِذا يَمَّمْتُ وَجْهًا … أُرِيدُ الخيرَ أيُّهما يَلِيني

فقال: أيُّهما يَلِينى. يُرِيدُ الخيرَ [أو الشرَّ، وإنما ذكَر الخيرَ؛ لأنه إذا أراد الخيرَ] (٤)، فهو يَتَّقِى الشرَّ.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: إن القومَ خُوطِبوا على قدرِ معرفتهم، وإن كان في ذكر بعض ذلك (٥) دَلالةٌ على ما تُرِك ذكرُه، لمن عرَف المذكورَ والمتروكَ، وذلك أن الله تعالى ذكرُه إنما عدَّد نعمَه التي أَنْعَمها على الذين قُصِدوا بالذكرِ في هذه السورةِ دونَ غيرِهم، فذكَر أياديَه عندَهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: فإن أدْبَر هؤلاء المشركون يا محمدُ عما


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "فذكرهم".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ف.
(٣) وهو المثقب العبدى والبيت في ديوانه ص ٢١٢.
(٤) سقط من: ت ١، ت ٢، ف.
(٥) سقط من: ت ١، ت ٢، ف.