للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنسانٍ. وأنَّث لأن النفسَ تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ، يُقالُ: ما جاءَنى نفسٌ واحدٌ وواحدةٌ. وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يرَى هذا القولَ من قائلِه غلطًا، ويقولُ: "كلُّ" إذا أُضِيفَتْ إلى نكرةٍ واحدةٍ خرَج الفعلُ على قَدْرِ النكرة؛ كلُّ امرأةٍ قائمةٌ، وكلُّ رجلٍ قائمٌ، وكلُّ امرأتَيْن قائمتانِ، وكلُّ رجلَيْن قائمان، وكلُّ نساءٍ قائماتٌ، وكلُّ رجالٍ قائمون. فيَخْرُجُ على عددِ النكرةِ وتأنيثِها وتذكيرِها، ولا حاجةَ به إلى تأنيثِ النَّفْسِ وتذكيرِها.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)﴾.

يقولُ اللهُ تعالى ذكرُه: ومثَّل اللهُ مثَلًا لمكةَ التي سُكَّانُها أهلُ الشركِ باللهِ، هى القريةُ التى كانت آمنةً مطمئنةً، وكان أمْنُها أن العربَ كانت تَتَعادَى، ويَقْتُلُ بعضُها بعضًا، ويَسْبِى بعضُها بعضًا، وأهلُ مكةَ لا يُغَارُ عليهم، ولا يُحارَبون في بلدِهم، فذلك كان أمْنُها. وقولُه: ﴿مُطْمَئِنَّةً﴾. يَعْنى قارَّةً بأهلِها، لا يَحْتاجُ أهلُها إلى النُّجَعِ (١)، كما كان سكانُ البوادِى يَحتاجون إليها، ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا﴾. يقولُ: تأتى أهلَها معايشُهم واسعةً كثيرةً. وقولُه: ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾. يعنى: من كلِّ فَجٍّ من فِجاجِ هذه القريةِ، ومن كلِّ ناحيةٍ فيها.

وبنحوِ الذي قلنا في أن القريةَ التي ذُكِرت في هذا الموضعِ، أُرِيد بها مكةُ، قال أهلُ التأويلِ.


(١) النُّجَع: جمع النُّجعة. والنجعة عند العرب: المَذْهب في طلب الكلأ في موضعه. ينظر اللسان وتاج العروس (ن ج ع).