للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: قد علِمْتَ أن "بينَ" لا تَصْلُحُ إلا أن تَكونَ مع شيئَيْن فصاعدًا، فكيف قيل: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾. و ﴿ذَلِكَ﴾ واحدٌ في اللفظِ؟

قيل: إنما صلَحَت مع كونِها واحدةً؛ لأنَّ "ذلك" بمعنى اثنين، والعربُ تَجْمَعُ في "ذلك" و"ذاك" شيئين ومعنيَيْن مِن الأفعالِ، كما يقولُ القائلُ: أَظُنُّ أخاك قائمًا، وكان عمرٌو أباك. ثمَّ يقولُ: قد كان ذاك، وأَظُنُّ ذلك. فيَجْمَعُ بـ"ذاك" و"ذلك" الاسمَ والخبرَ الذي كان لابد لـ "أظنُّ" (١) و"كان" منهما.

فمعنى الكلامِ: قال: إنه يقولُ: إنها بقرةٌ لا مُسِنَّةٌ هَرِمةٌ، ولا صَغيرةٌ لم تَلِدْ، ولكنها بقرةٌ نَصَفٌ قد وَلَدَت بطنًا بعدَ بطنٍ بينَ الهَرَمِ والشبابِ. فجمَع ﴿ذَلِكَ﴾ معنى الهَرَمِ والشبابِ، لما وصَفْنا، ولو كان مكانَ "الفارِضِ والبِكْرِ" اسمَا شخصَيْن لم يُجْمَعْ مع "بينَ" "ذلك"، وذلك أن "ذلك" لا يُؤَدِّى عن اسمِ شخصين، وغيرُ جائزٍ لمَن قال: كنتُ بينَ زيدٍ وعمرٍو. أن يقولَ: كنتُ بينَ ذلك. وإنما يَكونُ ذلك مع أسماءِ الأفعالِ دون أسماءِ الأشخاصِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨)﴾.

يقولُ اللهُ لهم جلَّ ثناؤُه: افْعَلوا ما آمُرُكم به تُدْرِكوا حاجاتِكم وطَلباتِكم عندي، واذْبَحوا البقرةَ التي أمَرْتُكم بذبحِها، تَصِلوا -بانتهائِكم إلى طاعتى بذبحِها- إلى العلمِ بقاتلِ قَتيلِكم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ﴾.

ومعنى ذلك: قال قومُ موسى لموسى: ادعُ لنا ربَّك يُبَيِّنْ لنا لونَ البقرةِ التي


(١) في النسخ: "للظن". والمثبت هو الصواب.