للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - مسافة القصْر:

قال ابن القيم الجوزية (١): "ولم يحد لأمتِه مسافةً محدودة للقصر والفطر، بل أطلقَ لهم ذلك في مُطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيممَ في كل سفر، وأما ما يُروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثةِ، فلم يصح عنه منها شيءٌ البتة، واللّه أعلم" اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة، ولا في الشرع؛ فالمرجعُ فيه إلى العُرْف، فما كان سفرًا في عُرف الناس؛ فهو السفرُ الذي علق به الشارعُ الحكمَ" اهـ.

وقال المحدث الألباني (٢) رحمه الله: "وقد اختلف العلماء في المسافة التي تُقصَر فيها الصلاة اختلافًا كثيرًا جدًّا، على نحو عشرين قولًا، وما ذكرناه عن ابن تيمية، وابن القيم أقربُها إلى الصواب، وأليقُ بيُسْر الإسلام؛ فإنَّ تكليفَ الناس بالقصرِ في سَفَر محدود بيوم، أو بثلاثةِ أيام، وغيرها من التحديدات يستلزمُ تكليفهم بمعرفة مسافات الطرقِ التي قد يطرقونها، وهذا مما لا يستطيعه أكثر الناس، لا سيما إذا كانت مما لم تُطْرَق من قبل! ".

وفي الحديث فائدة أخرى، وهي أن القصرَ مبدؤُه من بعد الخروج من البلدةِ، وهو مذهب الجمهور من العلماء؛ كما في "نيل الأوطار" (٣/ ٨٣)، قال: "وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلِّي ركعتين، ولو كان في منزله؛ ومنهم من قال: إذا رَكِبَ قَصَر إنْ شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنّه يَقصرُ إذا فارقَ البيوت، واختلفُوا فيما قبلَ ذلك؛ فعليه الإتمامُ على أصل ما كان عليه، حتى يثبُتَ أنّ له القصرَ" قال: "ولا أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر في سفر من أسفاره، إلا بعد خروجه من المدينة".

قلت: - القائل الشيخ الألباني رحمه الله - والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد خرجتُ طائفة منها في "الإرواء" من حديث أِنس، وأبي هريرة، وابن عباس وغيرهم، فانظر: رقم (٥٦٢).


(١) "زاد المعاد" (١/ ٤٦٣).
(٢) في "الصحيحة" (١/ ٣١٠ - ٣١١).

<<  <   >  >>