للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمَهُ وحكمَ أمته واحدٌ، إلا أنْ يقومَ دليلٌ يقضي بالاختصاصِ، ولا دليلَ، كما أن الحكم بكون الشيءَ نجسًا حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دليل (١).

٢ - والدليل على أن الماءَ المستعمل مطهِّر لغيره، حديث ابن عقيلٍ، عن الرُّبَيِّع - بنتِ مُعَوِّذ - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسحَ برأسِه من فضْلِ ماءٍ كان في يده" (٢). وهو حديث حسن.

فإن قيل: قد عارضه حديث عبد الله بن زيدِ بن عاصم الأنصاري - رضي الله عنه -: " … ثم أدخلَ يَدَهُ - في الإناء - فاستخرجَهَا فمسحَ برأسهِ، فأقبل بيديه وأدبرَ .. " (٣).

قلت: لا تعارض بينهما؛ لأنَّ التنصيص على شيءٍ بصيغة لا تدلُّ إلا على مجرد الوقوع، ولم يتعرض فيها لحصْرٍ على المنصوص عليه، ولا نفيٍ لما عداهُ، لا يستلزم عدمَ وقوع غيره (٤).

أما الحديث الذي أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير " رقم (٢٠٩١) عن دهثم بن قُرآنَ، عن نمران بن جارية، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا للرأسِ ماءً جديدًا"، فهو حديث ضعيف جدًّا لا تقومُ به حجة.

وأما حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ، فغسلَ وجهَهُ، خرجَ من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماءِ، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطشتْها يداهُ معَ الماءِ، أو معَ آخر قطْرِ الماءِ، فإذا غسلَ رجليه، خرجت كلُّ خطيئةٍ مَشتْهَا رجلاهُ معَ الماءِ، أو مَع آخر قَطْرِ الماءِ حتى يخرجَ نقيًّا من الذنوبِ" (٥).

فقد قال الإمام النووي (٦): "المراد بخروجها مع الماء المجازُ والاستعارةُ في غفرانِها؛ لأنها ليست بأجسامٍ فتخرج حقيقةً". اهـ.


(١) انظر: "نيل الأوطار" نهاية شرح الحديث رقم (٤) بتحقيقي.
(٢) أخرجه أبو داود (١/ ٩١ رقم ١٣٠).
وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (١/ ١٠٠): "وابنُ عقيل هذا هو أبو محمد عبدُ الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وقدِ اختلفَ الحفَّاظُ في الاحتجاج بحديثه"، قلت: قال الذهبي في "الميزان" (٢/ ٤٨٥) بعدما أورد كلام الحفَّاظِ فيه: "حديثهُ في مرتبة الحسن".
وقد حسنه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود"، وعبد القادر الأرناؤوط في تحقيق "جامع الأصول" (٧/ ١٦٤).
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ٣٨، ٣٩)، والبخاري رقم (١٨٥)، ومسلم رقم (٢٣٥).
(٤) "نيل الأوطار" خلال شرح الحديث رقم (٧) بتحقيقي.
(٥) أخرجه مسلم رقم (٢٤٤).
(٦) "شرح صحيح مسلم" (٣/ ١٣٣).

<<  <   >  >>