للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حكى الله عن قارونَ وماله وكبريائه، وافتتان الناس به، وإنكار العلماء تمنى مثل ما أوتي، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: ٨٠].

فمن رام الفلاحَ في الدنيا والآخرة، فعليه أن يخلص النية لله في طلب العلم، والتفقه في الدين، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من عدم إخلاص النية لله في ذلك.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجْهُ الله، لا يتعلَّمُهُ إلَّا ليُصيب به عَرَضًا من الدُّنيا، لم يَجِدْ عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القِيامةِ " يعني ريحها (١).

وعن علي - رضي الله عنه - أنه ذكر فِتنًا تكونُ في آخرِ الزمان فقال لَه عمرُ - رضي الله عنه -: متى ذلكَ يا عليُّ؟ قال: "إذا تُفُقه لغير الدِّين، وتُعلِّم العلمُ لغير العملِ، والْتُمِسَتِ الدُّنيا بعملِ الآخرة" (٢).

وعن جابر بن عبد الله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تعلَّمُوا العلَم لتُباهُوا به العلماء، ولا لِتُمَاروا به السُّفَهاءَ، ولا تَخَيَّرُوا به المجالس، فمن فعلَ ذلكً فالَنَّارَ النَّارَ" (٣).

ولقد جاء الحديث الصحيح يحمل الوعيد الشديد للثلاثة الذين أفسد الرياءُ أعمالهم، ونقلهم من ديوان المخلصين الصادقين إلى ديوان المرائين الكاذبين، فكانوا أول من تُسَعَّر


(١) وهو حديث صحيح: أخرجه أبو داود (١٠/ ٩٧ - مع العون)، وابن ماجه (١/ ٩٢ رقم ٢٥٢)، والحاكم (١/ ٨٥)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧) و (٨/ ٧٨)، وابن حبان (١/ ٢٤٥ - الإحسان) كلهم من طريق أبي يحيى فليح بن سليمان الخزاعي، وهو صدوق كثير الخطأ، (التقريب: ٢/ ١١٤)، ولكن يشهد له حديثُ جابر الذي أخرجه، وابن ماجه (١/ ٩٣ رقم ٢٥٤)، والحاكم (١/ ٨٦) وابنُ حبانَ (١/ ٢٤٤ - الإحسان).
وحديث أنس عند البزار (١/ ١٠١ رقم ١٧٨ - كشف) والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" رقم (١٠١). وصححه الألباني - رحمه الله - في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/ ٤٦ رقم ١٠٠).
(٢) وهو أثر صحيح: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٣٦٠ رقم ٢٠٧٤٣)، والحاكم (٤/ ٤٥١) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/ ٤٨ رقم ١٠٧).
(٣) وهو حديث صحيح: أخرجه ابن ماجه (١/ ٩٣ رقم ٢٥٤)، وابن حبان في صحيحه (١/ ٢٤٤ - الإحسان)، والحاكم (١/ ٨٦)، وابن عبد البر في "الجامع" (١/ ١٨٧)، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (١/ ١١٦)، "وكلهم من رواية يحيى بن أيوب الغافقي، عن ابن جريج عن أبي الزبير عنه، ويحيى هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى من شذّ فيه".
قلت: إنّ ابن جريج وشيخه أبا الزبير مُدَلِّسانِ من المرتبة الثالثة، وقد عَنْعَناهُ، غيرَ أن الحديث صحيحٌ على كل حال، فإنَّ له شواهدَ يتقوى بها، وتتقوى به.
(منها): حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن ماجه رقم (٢٥٣)، (ومنها) حديث أبي هريرة أيضًا أخرجه ابن ماجه رقم (٢٦٠)، و (منها) حديث كعب بن مالك الذي أخرجه الترمذي (٧/ ٤١٤ - مع التحفة)، وقد صحح الشيخ الألباني الحديث وشواهده في صحيح الترغيب رقم (١٠٢) و (١٠٤) و (١٠٥) و (١٠١).

<<  <   >  >>