للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّعوى تتضمَّن أن الله - سبحانه - أوجب على عباده واجبًا هو غَسْلُ هذه العين التي تزعم أنها نجسة، وأنه يمنعُ وجودُها صحة الصلاة بها، فهاتِ الدليلَ على ذلك:

فإن قال: حديث عمَّار بن ياسر قال: أتى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على بئرٍ أدلو ماءً في ركوةٍ لي، فقال: "يا عمار، ما تصنعُ؟ ".

قلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أغسل ثوبي من نخامةٍ أصابتْه، فقال: "يا عمَّار، إنما يُغْسلُ الثوبُ من خمسٍ: من الغائط، والبولِ، والقيء، والدمِ، والمنيِّ، يا عمَّار ما نخامتُك، ودموعُ عينيك، والماءَ الذي في ركوَتك إلَّا سواءٌ" (١).

قلنا: هذا حديث باطل لا أصل له، لم يثبت من وجه صحيح ولا حسن، ولا بلغَ إلى أدنى درجةٍ من الدرجات الموجبة للاحتجاج به، والعمل عليه، فكيف يثبتُ به هذا الحكم الذي تعمُّ به البلوى؟، وهو لا يصَلح لإثبات أخفِّ حكم على فرد من أفراد العباد!.

فإن قال: قد ورد أنه ينقضُ الوضوءَ.

قلنا فهل ورد أنه لا ينقضُ الوضوءَ إلا ما هو نجسٌ؟

فإن قلت: نعم، فأنت لا تجدُ إليه سبيلًا، وإن قلتَ: قد قال بعضُ أهل الفروع: إن النقض فرع التنجيس.

قلنا فهل هذا القول من هذا البعض حجَّةٌ على أحد من عباد الله؟

فإن قلت: نعم؛ فقد جئتَ بما لم يقل به أحدٌ من أهل الإسلام، وإن قلتَ: لا، قلنا: فما لك والاحتجاج بما لم يحتجَّ به أحدٌ على أحدٍ.

فإن قال: إن القيء متفق على نجاسته.

قلنا: هذه دعوى منقوضة، فقد خالف في ذلك ابنُ حزم (٢)، حيث صرَّح بطهارة قيء المسلم، كما لم يذكر الشوكاني في "الدرر البهية في المسائل الفقهية"، وشرحها "الدراري المضية" له، وصديق حسن خان في "الروضة الندية": أن القيء من النجاسات؛ بل رجَّحا طهارة قيء الآدميِّ مطلقًا (٣).


(١) أخرجه الدارقطني (١/ ١٢٧)، وأبو يعلى في مسنده (٣/ ١٨٥)، والبزار (١/ ١٣١ رقم ٢٤٨ - كشف)، والعقيلي في الضعفاء (١/ ١٧٦)، وابن عدي في "الكامل" (٢/ ٥٢٥).
(٢) في كتابه "المحلى" (١/ ١٨٣).
(٣) انظر: كتابَنَا: "إرشادُ الأمةِ إلى فقهِ الكتاب والسُّنَّة"، جزء الطهارة.

<<  <   >  >>