للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحديث القاسم بن محمد قال: سألت عائشة عن الرجل يأتي أهله، ثم يلبسُ الثوب فيعرقُ فيه، نجسًا ذلك؟ فقالت: قد كانت المرأةُ تعدُّ خِرْقَةً أو خرقًا، فإذا كان ذلك مسحَ بها الرجلُ الأذى عنه، ولم يرَ أن ذلك ينجِّسُهُ"، بإسناد صحيح (١).

فرع (٦): الخمر حرامٌ؛ وليس في نجاسة المسكِر دليلٌ يصلحُ للتمسُّك به:

أما الآية (٩٠) من سورة المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}، فليس المراد بالرِّجْسِ هنا النجسُ الحقيقيُّ، بل المراد الرجسُ المعنوي؛ لأن لفظ "رجس" خبر عن الخمر وما عُطِفَ عليها، وهو لا يوصَفُ بالنجاسة الحسِّية قطعًا، قال تعالى في سورة الحج الآية (٣٠): "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَان".

فالأوثان رجسٌ معنوي لا تُنَجِّس مَنْ مسَّها؛ ولتفسيره في الآية بأنه من عمل الشيطان، يوقِعُ العداوةَ والبغضاءَ، ويصدُّ عن ذِكْرِ الله، وعن الصلاة (٢).

قال صاحب "سبل السلام" (٣): "والحقُّ أن الأصلَ في الأعيان الطهارةُ، وأن التحريم لا يلازمُ النجاسةَ، فإن الحشيشة محرمةٌ وهي طاهرة، وأما النجاسة فيلازمُها التحريمُ، فكل نجسٍ محرَّمٌ، ولا عكسَ؛ وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنعُ عن ملامَسَتِها على كل حالٍ، فالحكم بنجاسة العين حكمٌ بتحريمها، بخلاف الحكمِ بالتحريمِ؛ فإنه يحرمُ لُبْسُ الحرير والذهب وهما طاهران ضرورةً وإجماعًا" اهـ.

ومن هذا فتحريم الخمر لا يلزم منه نجاستُها؛ بل لا بد من دليل آخر عليه ولا دليل (٤).

فرع (٧): نجاسةُ المشركِ معنويةٌ:

في الآية (٢٨) من سورة التوبة: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} تصريحٌ بنجاسة المشركين، ولكنْ وردَ من الأدلة ما يدلُ على أن هذه النجاسةَ ليست حِسِّيةً، بل هي نجاسةٌ معنوية؛ لأن المشرك ليس بنجس الذاتِ، ولكنه نجِسٌ في الاعتقاد والاستقذارِ (٥).


(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (١/ ١٤٢ رقم ٢٧٩).
(٢) انظر: "جامع البيان" (١٠/ ١٧ ج/ ١٥٣ - ١٥٥).
(٣) (١/ ٢٠١ - ٢٠٢) بتحقيقي.
(٤) انظر كتابنا "إرشادُ الأمة" جزء الطهارة.
(٥) انظر: "فتح القدير" (٢/ ٣٤٩) و "فتح الباري" (١/ ٣٩٠).

<<  <   >  >>