للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسكبتْ له وضوءًا، فجاءتْ هرَّة تشرَبُ منه، فأصغَى لها الإناءَ حتى شربَتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظرُ، فقال: أتعجبين يا ابنةَ أخي؟ فقلتُ: نعم، فقالَ: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنها ليستْ بنجسٍ، إنها من الطَّوافينَ عليكم والطَّوافاتِ"، وهو حديث صحيح (١).

ب - سُؤْرُ الكلبِ نَجِسٌ:

لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناء أحدكم فليُرِقْهُ، ثم ليَغْسلهُ سبعَ مراتٍ"، وهو حديث صحيح (٢).

قال النووي (٣): "وفيه أيضًا: نجاسةُ ما وُلِغَ فيه وأنه إن كان طعامًا مائعًا حرام أكلُه؛ لأن إراقته إضاعةُ له، فلو كان طاهرًا لم يأمرْنَا بإراقته، بل قد نُهِينَا عن إضاعة المال، وهذا مذهَبُنَا، ومذهب الجماهير أنه يَنْجُسُ ما وُلِغَ فيه، ولا فرق بين الكلب المأذونِ في اقتنائهِ وغيرهِ، ولا بين كلبِ البدوي والحضري لعموم اللفظ".

وقال ابن خزيمة (٤): "وفيه دليلٌ على نقض قول من زعم أن الماء طاهرٌ، والأمرُ بِغَسْلِ الإناءِ تقيُّدٌ؛ إذ غيرُ جائز أن يأمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بهراقةِ ماءٍ طاهرٍ غيرِ نجسٍ".

وإن قيل: إنَّ ظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، يدلُّ على طهارة لعابهِ حيث أطلق عن الأمر بِغَسْلِ ما أصابَهُ ريقهُ، قلت: إن عدم الأمر في الآية بغسل ما أَصابه ريقه لا يدلُّ على المرادِ من طهارتِهِ؛ لإمكان أنَّ تَرْكَ التنصيص عليه، اكتفاءٌ بما في أدلة وجوب تطهير النجسَ، العامَّةِ لجميع أفراد ما يجب تطهيره، وكم من حُكمٍ ينصُّ عليه الشارعُ، ويحيلُ سائر ما يتبعهُ من الأحكام على ما ورد في محله" (٥).


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٢٩٦، ٣٠٣، ٣٠٩)، وأبو داود رقم (٧٥)، والترمذي رقم (٩٢)، والنسائي (١/ ٥٥)، وابن ماجه رقم (٣٦٧)، وصححه النووي في "المجموع" (١/ ١٧١)، والألباني في الإرواء (١/ ١٩٢).
(٢) أخرجه مسلم رقم (٢٧٩)، والنسائي (١/ ١٧٦ - ١٧٧).
(٣) في شرح صحيح مسلم (٣/ ١٨٤).
(٤) في صحيحه رقم (١/ ٥١).
(٥) انظر: "الروض النضير"، للسياغي (١/ ٢٤٧، ٢٤٨، ٢٤٩).

<<  <   >  >>