للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُسْتَقِيمٌ *إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ *} .

فانظر - رعاك الله - إلى عجز إبليس وجنده، وضعفهم عن مجرد إغواء من اتصف بالإخلاص، فكيف بضرّهم أو الاستحواذ عليهم؟! بل إن الشياطين تجتنب الطريق التي يمر بها العبد المخلص، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكاً فَجَّاَ إِلاَّ سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجِّكَ (١) وكما بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ بقوله: إَنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ (٢) .

والإخلاص - كما ذكرنا آنفًا - هو مبنى التوكل وحقيقته، فلا يضر المتوكلَ شيء، ولا حاجة له لرقية مِنْ ضُرٍّ أصابه، بل إنه - بما استجمع من إخلاص في توحيد الله - يأتيه الشفاء بلا دواء ولا اكتواء ولا استرقاء، وهذا حال بعض عباد الله الصالحين المتوكلين، لكن ذلك لا ينافي وجوبَ التداوي وجواز الاسترقاء، فليس جميع الأمة قد تبوَّؤوا تلك المنزلة السامقة والدرجة الرفيعة في الإخلاص، فعلى قدر ما يبلغ بك الحال في إخلاص التوحيد، تبلغ بذلك تحصين قلبك، والدرءَ عن نفسك، فاجتهد - رحمك الله - في تحقيق ذلك. هذا، ولم يستكمل من هذه الأمة إخلاصهم لله إلا ثلة مباركة، وقد بُشّروا بشفاء من غير


(١) جزء من حديث متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أخرجه الشيخان مطولاً؛ البخاري: كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، برقم (٣٢٩٤) ، وفي مواضع عدة من صحيحه. ومسلم؛ كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه برقم (٢٣٩٦) .
(٢) أخرجه الترمذي - وصحّحه -؛ كتاب: المناقب، باب [قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» ] ، برقم (٣٦٩٠) ، عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه.

<<  <   >  >>