للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للإنسان، وفي ذلك، يقول: [ثم هذه الخاصية - أي اقتدار النفس البشرية على التأثير بالهمة والإرادة - تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها، وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة (١) ، ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجّه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل، فهي لذلك وِجْهة إلى غير الله وسجود له، والوجهة إلى غير الله كفر] (٢) .

أما المراتب الثلاثة فأحسب أنك أدركت أن سحر الهمة، وسحر الاستعانة، مرتبتان للسحر الحقيقي، وأن الثالث هو سحر تخييل لا حقيقة له. وقد قرر ذلك ابن خلدون عند تعليله لاختلاف العلماء في حقيقة السحر، فقال رحمه الله:

[ولما كانت المرتبتان الأُولَيَان من السحر لها حقيقة في الخارج، والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها؛ اختلف العلماء في السحر، هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل، فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأولَيَيْن، والقائلون بأنْ لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة، فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر، بل إنما جاء من قِبَل اشتباه هذه المراتب، والله أعلم] (٣) . وعلى ذلك يكون ابن خلدون رحمه الله قد جعل أصولاً عامة يمكن أن يندرج تحتها صنوفًا تكاد ألا تحصى من أنواع السحر، قد تشعّب في ذكرها بعض أهل العلم. وإذا جاز لنا إجمال مذهبه - بما ييسر فقه ذلك على القارئ - فإن ذلك منحصر في ستة أمور:


(١) إن للسحرة بالطلسمات، صحيفة يسمونها (الخَزِيريّة) ، يتدارسونها، تحوي دعواتٍ كفرية، وإشراك لروحانيات الجن والكواكب، يزعمون أنهم بهذه الرياضة والوِجْهة يصلون إلى حصول الأفعال لهم، انظر: مقدمة ابن خلدون ص ٥٠١.
(٢) انظر: ص ٤٩٨ من مقدمة ابن خلدون أيضًا.
(٣) انظر: المرجع نفسه، بالعزو السابق.

<<  <   >  >>