للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول: بيان حكم تعلم السحر، وتعليمه.

[إن الحكم في ذلك مترتب - كما لا يخفى - على إثبات أن ما يتعلمه المتعلم سحرًا؛ فإن الله تعالى قال في الملكين: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} ، فبيّن عزّ وجلّ أن متعلم السحر بمجرد تعلّمه يكفر سواء عمل به وعلّمه أو لا. فالملكان عرفا أن السحر من الكفر، وأن من تعلمه خرج الإيمان من قلبه. كذلك، فإن الله سبحانه قد أيأس من ارتضى تعلم السحر من نصيبه في الجنة، فقال تعالى: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} ، وهذا الوعيد لم يطلق إلا فيما هو كفر لا بقاء للإيمان معه، فإنه ما من مؤمن إلا ويدخل الجنة، فمن حُرِمها فلا حظ له بإيمان. ثم إن من أصرح الأدلة على كفر المتعلم للسحر ونفي الإيمان عنه بالكلية قوله تعالى: [البَقَرَة: ١٠٣] {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} . فإنه لا يقال للمؤمن المتقي ولو أنه آمن واتقى، وإنما يقال ذلك لمن كفر وفجر] (١) .

إذا تقرر ذلك يُنظر بعدها في القدر المتعلَّم الذي يصير به المتعلِّم كافرًا والعياذ بالله، [فإن كان السحر مما يُعظّم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومما يؤدي إلى الكفر كذلك تعلم سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة فإنه كفر بلا نزاع؛ كما دل عليه قوله تعالى: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ، وقوله تعالى: [البَقَرَة: ١٠٢] {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} ، وقوله عزّ وجلّ: [طه: ٦٩] {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، ثم إن كان السحر المُتعلَّم لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها فهو حرام حرمةً شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر] (٢) .


(١) انظر: معارج القبول للعلاّمة حافظ الحكمي رحمه الله (٢/٦٩٥) .
(٢) انظر: أضواء البيان للعلاّمة الشنقيطي رحمه الله (٤/٤٩٤) .

<<  <   >  >>