للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمجرده لا تستلزم منعًا، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به. وأما الثاني - أي: تعلم السحر بقصد إزالته عمن وقع فيه - فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يَحِلّ أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور، وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة (١) . اهـ. فإن عبارة الإمام الأخيرة المفيدة لجواز تعلم السحر إن لم يشتمل على كفر أو فسق بقصد إزالة السحر عن المسحور قد يُشكِل فهمُها على ظاهرها، إلا أن الإمام رحمه الله قد بيّن مراده بهذا، في باب (هل يستخرج السحر) ، فذكر أن الجواز المذكور هو تعلم النشرة، وأنها على نوعين منها ما يكون بالرقى والأدعية والتعويذ، ومنها النشرة التي هي من عمل الشيطان، وهي المشتملة على تعلّم نوع من أنواع السحر. وأن حكم تعلم الأخيرة يختلف بقصد المتعلم، فمن قصد خيرًا فخير؛ وإلا فهو شر. ومع هذا البيان، فقد ذكر العلاّمة الشنقيطي بعد أن ساق كلام الإمام ابن حجر هذا ردًا مقتضبًا هاك نصه: (قوله - أي بجواز تعلم السحر إن لم يشتمل على نوع كفر أو فسق - خلاف التحقيق، إذ ليس لأحد أن يبيح ما صرّح الله بأنه يضر ولا ينفع، مع أن تعلمه قد يكون ذريعة للعمل به، والذريعة إلى الحرام يجب سَدّها، هذا هو الظاهر لنا، والعلم عند الله تعالى] (٢) . اهـ.

أخي القارئ، أما وقد تبين لك مذهب عامة علماء المسلمين إلى تحريم تعلم السحر وتعليمه حرمة شديدة، وأنه إن اشتمل على تعظيم مخلوق أو تقرب إليه من دون الله، أو اعتقاد بحِلِّ السحر، صار مكفّرًا بإجماعهم، وأنه إن كان من التخييل والشعوذة فإنه يحرم كذلك لكنه لا يكون مكفّرًا، إلا إذا اشتمل على استعانة صريحة بشيطان ونحوه. أقول: حيث تبين لك ذلك، أنتقل بعدها - مؤسِّسًا على ما سبق - إلى حكم الساحر، وبالله التوفيق.


(١) انظر: فتح الباري (١٠/٢٣٥) .
(٢) انظر: أضواء البيان له (٤/٥٠٣) .

<<  <   >  >>