للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الستِّ الأواخرِ بِمَا أحبطَ الأوائلَ، ثمَّ مَضى لسبيلهِ، وَولي عَليّ بنُ أبي طَالب فَلم يَبْلُغ من الْحق قصْداً، وَلم يرفْع لَهُ منَاراً. ثُم مضَى لسبيله، وَولي مُعَاوِيَة بنُ أبي سُفيانَ لَعينُ رسولِ الله وابنُ لعينِه فاتخذَ عبادَ الله خولاً، ومالَ اللهِ دُولاً، ودينهُ دَغَلاً فالعنُوهُ لعنَهُ اللهُ. ثمَّ ولي يزيدُ بن مُعَاوِيَة، يزيدُ الخمورِ، ويزيدُ القُرودِ، ويزيدُ الفُهودِ، الفاسقُ فِي بطنِهِ، المأبُونُ فِي فَرْجِهِ، ثمَّ اقتصهُمْ خَليفَة خَليفَة. فَلَمَّا انْتهى إِلَى عُمَرَ بن عبد العزيزِ أعْرَضَ عَن ذِكْرِهِ. ثمَّ ولي يزيدُ بنُ عبد الْملك الفاسقُ فِي بْطِنه المأبُونُ فِي فَرِجهِ الَّذِي لم يؤنس مِنْهُ رُشدٌ، وَلم يُرْعَ لَهُ عهْدٌ. وَقد قالَ اللهُ فِي أَمْوَال الْيَتَامَى " فَإِن آنستُمْ منهُمْ رُشداً فادْفعُوا إلَيهِمْ أموْالَهُم ". فأمرُ أمة مُحَمَّد أعظمُ يأكلُ الحرامَ، وبِشرْبُ الحرامَ، ويلْبس الحُلَّة قُومِّتْ ألفَ دِينَار قد ضُرِبتْ فِيهَا الأبشارُ، وهُتِكتْ فِيهَا الأسْتَارُ، وأخِذتْ مِن غير حِلِّها. حَبابة عَن يمينِهِ، وسلامةُ عَن يَسَارهِ يُغنيانِه حَتَّى إِذا أخذَ الشرابُ مِنْهُ كلَّ مَأْخَذ قَدَّ ثوبَهُ، ثمَّ التفَتَ إِلَى إحداهُمَاَ فَقالَ: أَلا أطيرُ؟ نَعمْ، فِطِرْ إِلَى النَّارِ. وَأما بنُو أُميَّة فَفٍِرقَةٌ الضلالةِ، بْطشُهمْ بطْشُ جَبْريَّة، يأخُذُونَ بالظنة، ويقْضُونَ بالهوى، ويقتُلُون على الغضبِ، ويحْكُمون بالشفَاعة، ويأخُذُونَ الفَريضَةَ مِنْ غيرِ موضعهَا، ويضعُونَها فِي غير أهْلِها، وَقد بيَّن الله أهْلَهَا فجعلَهُم ثمانيةَ أَصْنَاف. قالَ: " إنِّما الصدقاتُ للْفُقَرَاء " إِلَى آخر الْآيَة فأقبلَ صِنْفٌ تاسعٌ لَيْسَ مِنْهمَا فأخَذَها كلَّها. تْلكُمُ الأمةُ الحاكِمةُ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللهُ.

خطْبَة قطري بن الْفُجَاءَة

أمَّا بعدُ: فَإِنِّي أحذِّرُكم الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلوة خَضِرةٌ، حُفَّتْ بالشهوات وراقتْ بِالْقَلِيلِ، وتَحبَّبتْ بالعاجلةِ، وخلّبتْ بالآمال، وتَزيَّنتْ بالغُرور وَلَا تَدْمَ حَبْرتها، وَلَا تؤْمنُ فجيعتْها، وغرارة ضرارة، وحائلةٌ زائلةٌ، ونافِدةٌ بائدةٌ، أكالةٌ غَوَّالة، لَا تعْدُو - إِذا تناهتْ إِلَى أُمْنِية أهل الرَّغْبَة فِيهَا، والرِّضَا عَنْهَا - أنْ تكونَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى " كَمَاء أنْزَلَناهُ من السَّمَاء، فاختلط بِهِ نباتُ الأَرْض فأصبحَ هشيماً تَذْرُوهُ الرياحُ وَكَانَ اللهُ على كل شَيْء مقتدراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>