للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاب الثَّامِن وَصَايَا الْعَرَب

أخبرنَا الصاحب إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم عَن الأبجي عَن مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي نصر، عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لِبَنِيهِ وَهُوَ يوصيهم: اتَّقوا الظهيرة الغراء، والفلاة الغبراء، وردوا المَاء بِالْمَاءِ. أوصى الْحَارِث بن كَعْب بنيه فَقَالَ: يَا بني، قد أَتَت عَليّ مائَة وَسِتُّونَ سنة مَا صافحت يَمِيني يَمِين غادر، وَلَا قنعت نَفسِي بخلة فَاجر، وَلَا صبوت بابنة عَم وَلَا كنة، وَلَا بحت لصديق عَليّ بسر. وَلَا طرحت عِنْدِي مومسة قناعها، وَلَا بَقِي على دين عِيسَى بن مَرْيَم أحد من الْعَرَب غَيْرِي وَغير تَمِيم بن مرّة، وَأسد بن خُزَيْمَة، فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيتي، إِلَهكُم فاتقوه، يكفكم المهم من أُمُوركُم، وَيصْلح لكم حالكم، وَإِيَّاكُم وَالْمَعْصِيَة، يحل بكم الدمار ويوحش مِنْكُم الديار، وَكَانُوا جَمِيعًا، وَلَا تفَرقُوا فتكونوا شيعًا، بزوا قبل أَن تبزوا، فموت فِي عز، خير من حياةٍ فِي ذل وَعجز، فَكل مَا هُوَ كَائِن كَائِن، وكل جمع إِلَى تبَاين، والدهر صرفان: صرف بلاءٍ وَصرف رخاء. وَالْيَوْم يَوْمَانِ: يَوْم حبرَة وَيَوْم عِبْرَة، وَالنَّاس رجلَانِ: رجل مَعَك، وَرجل عَلَيْك. زوجوا النِّسَاء من الْأَكفاء وَإِلَّا فانتظروا بِهن الْقَضَاء، وَليكن طيبهن المَاء، وَإِيَّاكُم والورهاء فَإِنَّهَا أدوأ الدَّاء. يَا بني: قد أكلت مَعَ أَقوام، وشربت مَعَ أَقوام، فَذَهَبُوا وغبرت وَكَأَنِّي بهم قد لحقت. ثمَّ أنشأ يَقُول: أكلت شَبَابِي وأفنيته ... وأمضيت بعد دهورٍ دهورا فِي أَبْيَات أخر:

<<  <  ج: ص:  >  >>