للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى السَّلامَة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ لِأَن الْوَاحِد رهن بِمَا أفشي إِلَيْهِ، وَهُوَ أَحْرَى أَلا يظهره رهبة للْملك، ورغبة إِلَيْهِ، وَإِذا كَانَ عِنْد اثْنَيْنِ فَظهر، دخلت على الْملك الشُّبْهَة، واتسعت على الرجلَيْن المعاريض، فَإِن عاقبهما عاقب اثْنَيْنِ بذنب وَاحِد، وَإِن اتَّهَمَهُمَا اتهمَ بَرِيئًا بِجِنَايَة مجرم، وَإِن عَفا عَنْهُمَا عَفا عَن وَاحِد لَا ذَنْب لَهُ، وَعَن الآخر وَلَا حجَّة عَلَيْهِ ".

نُسْخَة عهد أردشير بن بابك إِلَى من يخلفه من بعده

من ملك الْمُلُوك أردشير بن بابك إِلَى من يخلفه بعقبه من مُلُوك فَارس السَّلَام والعافية. أما بعد: فَإِن صَنِيع الْمُلُوك على غير صَنِيع الرّعية، فالملك يطيعه الْعِزّ والأمن وَالسُّرُور وَالْقُدْرَة على طباع الأنفة والجرأة والعبث والبطر. ثمَّ لَهُ، كلما ازْدَادَ فِي الْعُمر تنفساً وَفِي الْملك سَلامَة، زِيَادَة فِي هَذِه الطبائع الْأَرْبَعَة حَتَّى تسلمه إِلَى " سُكر السُّلْطَان الَّذِي هُوَ أَشد من سكر الشَّرَاب " فينسى النكبات والعثرات والغِير والدوائر. ويحين تسلط الْأَيَّام ولؤم غلية الدَّهْر، فَيُرْسل يَده بِالْفِعْلِ وَلسَانه بالْقَوْل. وَقد قَالَ الْأَولونَ منا: " عِنْد حسن الظَّن بِالْأَيَّامِ تحدث الْغَيْر ". وَقد كَانَ من الْمُلُوك من يذكرهُ عزه الذل، وأمنه الْخَوْف، وسروره الكآبة، وَقدرته الْعَجز، فَإِذا هُوَ قد جمع بهجة الْمُلُوك، وفكرة السوقة، وَلَا حزم إِلَّا فِي جَمعهمَا. اعلموا أَن الَّذِي أَنْتُم لاقوه بعدِي هُوَ الَّذِي لَقِيَنِي من الْأُمُور، وَهِي بعدِي وَارِدَة عَلَيْكُم بِمثل الَّذِي وَردت بِهِ عليّ، فيأتيكم السرُور والأذى فِي الْملك من حَيْثُ أتياني، وَأَن مِنْكُم من سيركب الْملك صعباً فيُمنى من شماسه وجماحه وخبطه واعتراضه بِمثل الَّذِي منيت بِهِ، وَأَن مِنْكُم من سيرث الْملك عَن الكفاة المذللين لَهُ مركبه، وسيجري على لِسَانه ويلقى فِي قلبه أَن قد فرّغ لَهُ وكفي وَاكْتفى وفرّغ للسعي فِي الْعَبَث والملاهي، وَأَن من قبله من الْمُلُوك إِلَى التوطيد لَهُ أجروا، وَفِي التَّمْكِين لَهُ سعوا، وَأَن قد خص بِمَا حرمُوا، وأُعطي مَا مُنعوا، فيكثر أَن يَقُول مسرّاً ومعلناً، خصوا بِالْعَمَلِ وخصصت بالدعه، وقدّموا قبلي إِلَى الْغرَر وخُلّفت فِي الثِّقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>