للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاب الأول من الْفَصْل الثَّانِي: فِي كَلَام أبي بكر الصّديق رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضى الله عَنهُ

: خطب يَوْمًا، فَلَمَّا فرغ من الْحَمد لله، وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن أَشْقَى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمُلُوك ". فَرفع النَّاس رؤوسهم. فَقَالَ: مَا لكم معاشر النَّاس؟ إِنَّكُم لطعانون عجلون، إِن الْملك إِذا ملك زهده الله فِيمَا فِي يَدَيْهِ، ورغبه فِيمَا فِي يَدي غَيره، وانتقصه شطر أَجله، وأشرب قلبه الإشفاق، فَهُوَ يحْسد على الْقَلِيل، ويتسخط الْكثير، ويسأم الرخَاء، وتنقطع عَنهُ لَذَّة الْبَهَاء، لَا يسْتَعْمل الْغيرَة، وَلَا يسكن إِلَى الثِّقَة. هُوَ كالدرهم القسي، والسراب الخادع، جذل الظَّاهِر، حَزِين الْبَاطِن، فَإِذا وَجَبت نَفسه، ونضب عمره، وضحا ظلّه، حَاسبه الله، فأشد حسابه، وَأَقل عَفوه. أَلا إِن الْأُمَرَاء هم المحرومون، إِلَّا من آمن بِاللَّه، وَحكم لكتاب الله، وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِنَّكُمْ الْيَوْم على خلَافَة نبوه، ومفرق محجة، وسترون بعدِي ملكا عَضُوضًا، وملكاً عنوداً، وَأمة شعاعاً، ودماً مفاحاً، فَإِن كَانَت للباطل نزوة وَلأَهل الْحق جَوْلَة يعْفُو لَهَا الْأَثر، وَتَمُوت السّنَن، فالزموا الْمَسَاجِد، واستشيروا الْقُرْآن، والزموا الْجَمَاعَة، وَليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر. أَي بِلَادكُمْ خرشنة؟ فَإِن الله سيفتح عَلَيْكُم أقصاها، كَمَا فتح عَلَيْكُم أدناها. وَمن كَلَامه أَنه أَخذ يَوْمًا بِطرف لِسَانه وَقَالَ: هَذَا الَّذِي أوردني الْمَوَارِد.

<<  <  ج: ص:  >  >>