للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلمة

قَالَ: عجبت لمن أحفى شعره ثمَّ أَعْفَاهُ، وَقصر شَاربه ثمَّ أطاله، أَو كَانَ صَاحب سراري، فَاتخذ المهيرات. وَقَالَ: لَا أَزَال فِي فسحة من أَمر الرجل حَتَّى أصطنع عِنْده يدا، فَإِذا اصطنعتها لم يكن إِلَّا رَبهَا. وَلما حَضرته الْوَفَاة أوصى بِثلث مَاله لأهل الْأَدَب، وَقَالَ: صناعَة مجفوٌّ أَهلهَا. وَكَانَ إِذا كثر عَلَيْهِ أَصْحَاب الْحَوَائِج وخشي الضجر أَمر أَن يحضر ندماؤه من أهل الْأَدَب، فيتذاكرون مَكَارِم النَّاس وَجَمِيل طرائفهم ومروءاتهم فيطرب، ويهيج، ثمَّ يَقُول: ائذنوا لأَصْحَاب الْحَاجة، فَلَا يدْخل أحد إِلَّا قضى حَاجته. وَقَالَ هِشَام: يَا أَبَا سعيد، هَل دَخلك ذعر قطّ من حَرْب شهدتها أَو لعدو؟ قَالَ: مَا سلمت فِي ذَلِك من ذعر يُنَبه عَليّ حِيلَة، وَلم يغشني فِيهَا ذعر يسلبني رَأْيِي. قَالَ هِشَام: هَذِه البسالة. وَدخل على معر بن عبد الْعَزِيز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: أَلا توصي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: بِمَ أوصِي؟ فوَاللَّه إِن لي من مَال. فَقَالَ: هَذِه مائَة ألف، مر فِيهَا بِمَا أحبت. قَالَ: أَو تقبل؟ قَالَ: نعم. قَالَ: تردها على من أَخَذتهَا مِنْهُ ظلما. فَبكى مسلمة ثمَّ قَالَ: يَرْحَمك الله، لقد ألنت منا قلوباً قاسية، وأبقيت لنا فِي الصَّالِحين ذكرا. واستبطأ عبد الْملك ابْنه مسلمة فِي مسيره إِلَى الرّوم، فَكتب إِلَيْهِ: لمن الظعائن سيرهن تزحف؟ ... سير السفين إِذا تقاعس يجدف

<<  <  ج: ص:  >  >>