للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى تذكيرنا فِي خلاء، واتركنا حَتَّى نبتدئك بالسؤال، فَإِذا بلغت من الْجَواب قدر اسْتِحْقَاقه فَلَا تزد، وَإِيَّاك والبداء إِلَى تصديقنا، أَو شدَّة الْعجب بِمَا يكون منا. وَعلمنَا من الْعلم مَا نحتاج إِلَيْهِ، على عتبات المنابر، وَفِي أعطاف الْخطب، وفواصل المخاطبات، وَدعنَا من رِوَايَة حوشي الْكَلَام وغرائب الْأَشْعَار، وَإِيَّاك وإطالة الحَدِيث إِلَّا أَن نستدعي ذَلِك مِنْك. وَمَتى رَأَيْتنَا صادفين عَن الْحق فأرجعنا إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْت، من غير تَقْرِير بالْخَطَأ، وَلَا إضجار يطول الترداد. قَالَ قلت: أَنا إِلَى حفظ هَذَا الْكَلَام أحْوج مني إِلَى كثير من الْبر.

الْأمين

قيل لبَعض الْعلمَاء: كَيفَ كَانَت بلاغة الْأمين؟ قَالَ: وَالله لقد أَتَتْهُ الْخلَافَة يَوْم الْجُمُعَة، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى نُودي: الصَّلَاة جَامِعَة، فَخرج ورقي الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، وخصوصاً يَا بني عَبَّاس، إِن الْمنون مراصد ذَوي الأنفاس حتم من الله لَا يدْفع حُلُوله، وَلَا يُنكر نُزُوله، فارتجعوا قُلُوبكُمْ من الْحزن على الْمَاضِي إِلَى السرُور بِالْبَاقِي، تُجْزونَ ثَوَاب الصابرين، وتعطون أجور الشَّاكِرِينَ. فتعجب النَّاس من جرأته، وبلة رِيقه، وَشدَّة عارضته. وَكَانَ الْمَأْمُون يَقُول: كَانَ يَقُول لي الرشيد: وددت لَو أَن لَك بلاغة مُحَمَّد، وَأَن عَليّ غرم كَذَا وَكَذَا. وَذكر أَن مُحَمَّد فِي صباه كَانَ كثير اللّعب، وَكَانَ الْمعلم يلقِي عَلَيْهِ فِي الْكتاب، وعَلى الْمَأْمُون، وَكَانَ مُحَمَّد يلْعَب ويحفظ، والمأمون ينسى وَهُوَ مقبل على الْعلم يقْصد قَصده. ذكر أَنه دَعَا يَوْمًا عبد الله بن أبي عَفَّان ليصطبح، فَأَبْطَأَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَظُنك أكلت. قَالَ: لَا وَالله. قَالَ: وَالله لتصدقن. قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>