للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيد إِلَّا الْحَدِيد أَلا من استرشدنا أرشدناه، وَمن استخبر أخبرناه، إِن الْحق كَانَ يطْلب ضالته، فصبراً يَا معشر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَكَأَن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة الْعدْل، وَغلب الْحق باطله، فَلَا يعجلن أحد فَيَقُول: كَيفَ وأنى. ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. أَلا إِن خضاب النِّسَاء الْحِنَّاء، وخضاب الرِّجَال الدِّمَاء، وَالصَّبْر خير فِي الْأُمُور عواقباً إِلَى الْحَرْب قدماً غير ناكصين، فَهَذَا يَوْم لَهُ مَا بعده. ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة: وَالله يَا زرقاء لقد شركت عليا فِي كل دم سفكه، فَقَالَت: أحسن الله بشارتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وأدام سلامتك. مثلك من بشر بِخَير وسر جليسه. قَالَ لَهَا: وَقد سرك ذَلِك؟ قَالَت: نعم وَالله، لقد سرني قَوْلك فَأنى بِتَصْدِيق الْفِعْل؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: وَالله لوفاؤكم لَهُ بعد مَوته أحب إِلَيّ من حبكم لَهُ فِي حَيَاته.

مُعَاوِيَة وَأم الْخَيْر بنت الْحَرِيش

وأوفد أم الْخَيْر بنت الْحَرِيش البارقية فَقَالَ لَهَا: كَيفَ كَانَ كلامك يَوْم قتل عمار بن يَاسر؟ قَالَت: لم أكن وَالله رويته من قبل ٣٧٥ وَلَا دونته بعد. وَإِنَّمَا كَانَت كَلِمَات نفثهن لساني حِين الصدمة. فَإِن شِئْت أَن أحدث لَك مقَالا غير ذَلِك فعلت. قَالَ: لَا أَشَاء ذَلِك. ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أَيّكُم حفظ كَلَام أم الْخَيْر؟ قَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا أحفظه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كحفظي سُورَة الْحَمد. قَالَ: هاته. قَالَ: نعم كَأَنِّي بهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك الْيَوْم وَعَلَيْهَا برد زبيدي كثيف الْحَاشِيَة، وَهِي على جمل أرمك وَقد أحيط حولهَا وبيدها سَوط منتشر الضفيرة، وَهِي كالفحل يهدر فِي شقشقته، تَقول: " يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم ". إِن الله قد أوضح الْحق، وَأَبَان الدَّلِيل، وَنور السَّبِيل، وَرفع الْعلم؛ فَلم يدعكم فِي عمياء مُبْهمَة، وَلَا سَوْدَاء مدلهمة، فَإلَى أَيْن تُرِيدُونَ رحمكم الله؟ أفراراً عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ، أم فِرَارًا من الزَّحْف، أم رَغْبَة عَن الْإِسْلَام، أم ارْتِدَادًا عَن

<<  <  ج: ص:  >  >>