للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عندما يستشعر المؤمن أن الله تعالى يخاطبه بكلامه، ويستشعر عظمة الله وجلاله ويستشعر أيضا أن هذا القرآن نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم مع تفكره في الدار الآخرة وما سيكون فيها من حساب وحشر وجزاء عندما يتخيل ذلك كله وهو يقرأ القرآن لا يملك سرعة ضربات قلبه وقشعريرة جلده فتدمع العين وتفيض حتى يبل دمعها الأقدام، وهذا الحال هو حال العارفين بربهم، وقد وصفهم في كتابه مثنيا عليهم بذلك حيث قال سبحانه: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (١) قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين من قبل نزول الفرقان إذا يتلى عليهم القرآن لأذقانهم يبكون ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا يعني خضوعا لأمر الله وطاعته واستكانة له" (٢) بل ذلك عمل الأنبياء من قبل وقد أخبر المولى عن حالهم بقوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (٣) قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: "خروا سجدا وبكيا) أي: خضعوا لآيات الله وخشعوا لها، وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة ما أوجب لهم البكاء والإنابة والسجود لربهم" (٤) وهو حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين قال الجصاص في قوله تعالى: (ويزيدهم


(١) الإسراء/١٠٧ـ١٠٩
(٢) تفسير الطبري ج١٥/ص١٨١
(٣) مريم/٥٨
(٤) تيسير الكريم الرحمن ص ٤٤٥

<<  <   >  >>