للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها طول وظيفيه وعرضهما إذا استعرضتهما، وحِدَّتُها ودقتهما إذا استقبلتهما، واستواؤهما إذا استدبرتهما، ويستحب ذلك كله للشدة والصبر في العَدْو، وهو لُحُوق الرَّجْلين باليدين. ويستحب في الرجلين من أوصاف الرُّسْغين والحافر ما يستحب في اليدين، غير أن انتصاب الرسغين في الرجلين مغَتَفر، وليس هو في اليدين كذلك.

[فصل]

ويستحب للفرس أن يكون شبيهاً في بعض خَلْقِه لبعض الحيوان، فمن ذلك الظَّبْيُ، والكلب، والحمار الوحشي، والثور، والنعامة، والبعير، والأرنب، والذئب، والثعلب.

فمَّما يستحب في صفة الفرس من خَلْق الظبي: طول وظيفَيْ رجليهِ، وتأنيف عُرْقوبيه، وعِظَم فخذيه، وكثرة لحمهما، وعِظَمُ وَرِكيه، وشدة متنه وظهره، وإجفار جنبيه، وقِصَر عضديه، ونَجَلُ مقلتيه، ولحوق أياطله.

ويستحسن فيه من خَلْق الكلب: هَرَتُ شدقيه، وطول لسانه، وكثرة ريقه، وانحدار قصِّه، وسبوغ ضلوعه، وطول ذراعيه، ولُحُوق بطنه.

وحكى أن مُسْلِم بن عَمروٍ أرسل ابن عم له إلى الشام ومصر ليشتري له خيلاً، فقال: لا علم لي بالخيل، وكان صاحب قَنْصٍ، فقال له: ألست صاحب كلاب؟ قال: نعم! قال: فانظر كُلَّ ما تستحسنه من الكلب الصابر فاستعمله في الفرس. قال: فَقَدِمَ بِخَيْلٍ لم يكن في العرب مثلها.

ومما يستحسن فيه من خَلْق الحمار الوحشي: غلظُ لحمه، وظمأ فصوصه، وتمَحُّصُ عصبه، وتمكُن أرساغه، وتمحيصها، وعِرَض صَهْوته.

ومما يستحسن في خَلْقه من خَلْق الثور: عرض جبهته، وقلة لحمها، واضطراب جرانه، وطول ذراعيه، وعِرَض كتفيه.

ومما يستحسن في خلقه من وصف النعامة: طول وظيفيها، وقصر ساقيها، وعُرْى أَيْبَسَيْها.

ويستحسن فيه من البعير: طول ذراعيه، وعبالة أو ظِفَتِه. ومن الأرنب: صغر كعبيها. ومن الذئب: شَنَحُ نَسَيْيْه. ومن الثعلب: تقريبه.

وأول من شَبَّه الخيل بالظبي، والسَّرْحان، والنعامة، أمرؤ القيس بن حُجر، فقال في وصف فرسه:

وقد اَغْتَدِى والطير في وُكُنَاتها ... بمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابد هَيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍ مقبلٍ مُدْبرٍ معاً ... كجلمود صَخْرٍ حَطَّهُ السيل من عَلِ

كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْد عن حال متنه ... كما زَلَّت الصَّفْواء بالمتنزل

مِسَحٍِّ إذا ما السابحات على الونى ... أثرن غباراً بالكَدِيْدِ المركَّل

على العَقْب جياش كأنَّ اهتزامه ... إذا جاش فيه حَمْيُه غَلْيُ مِرجَل

يطير الغلام الخِفُّ عن صَهَوَاته ... ويُلوى بأثواب العنيف المثقَّل

دَرِير كَخُذْروف الوليد أَمرَّه ... بقلب كَفيَّهْ بخيط مُوَصَّل

له أيْطَلاَ ظبيٍ، وساقا نعامةٍ ... وإرجاء سِرْحَانٍ وتقريب تَتْفُل

وقد أعاد هذا التشبيه في قصده أخرى بائية فقال:

وقد اغتدى والطَّيْرُ في وكناتها ... وماءُ الندى يجري على كل مِذْنَب

بمنجرد قَيْد الأوابد لاَحَه ... طِرَادُ الوادي كلَّ شأو مُغرِّب

على الأَيْن جَيَّاشٍ كأنَّ سراته ... على الضُّمْر والتَعْدَاءِ سرحه مرقب

يباري الخَنُوف المستقلَّ زِماعُه ... ترى شخصه كأنه عود مشجب

له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوةُ عَيْرٍ قائم فوق مَرْقَب

فأخذ الشعراء هذا التشبيه من امرئ القيس فَجَرَوْا عليه.

[الباب السادس]

[ألوان الخيل]

وذكر الشِّياتِ والغُرر والتَّحجيل والدوائر

أما أصول الألوان فهي أربعة: بياض، وسواد، وحمرة، وصُفْرة. والحقيقة أن الأصل البياض والسواد، لأن الحمرة والصفوة إليهما يرجعان، ومنهما ينشأن.

<<  <   >  >>