للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن كان مع ذلك ضيق المنخَرين ثم أجهد حتى تَرادَّ نَفَسهُ كان قَمِناً أن يموت سريعاً ويطَفى، إلا أن يكون هشّاً فُيراح بسرعة عَرَقه. وأما إن كان مع شدة خَلْقه وتمام جسمه لطيف الحوافر، رقيقها، رخوها، لم يلبث أن تنصدع ويَحْفَى، فيقطعه ذلك عما يُرادُ منه.

[فصل]

واعلم أن كل شيء يُستحبُّ من الذكَر في الجودة يُستحبُّ من الأنثى، إلا طولَ الصِّيام، وقلة الربوض، وقلِه لحم اللَّهزِمَتَين، وأن يكون في ظَهرها جُسْأة، وقِران الكعبين في الحركة وغيرها.

ويستحب من الذكَرِ الشهامةُ، والحدَّة، والشَّوَسُ. ويحُتمل ذلك في الأنثى. وشهامةُ الفرس: حدَّتُه، وطموحُ بصِره، وبُعْد مَدَى طَرْفه. والأَشْوَسُ: هو الذي كأنه مذعور لشدة التفاته، وحدة نظره.

وكانت العرب تقول:) ذكَر مذعور نَئُوم، وأنثى صَئوم (والصيام: طول القيام.

ولا خير في جَسْء القوائم للذكر والأنثى، والأنثى أشد احتمالا في مقدَّمها، لما يكره في مقدَّم الفرس الذكَر. وَلا غنى بهما عن جودة القوائم، فهي أجنحتها.

ويستجيب في الأنثى قصر الفخذين، وقرب ما بين الكعبين. ويكره تباعد ما بين رجليها، لأنها إذا أتسع عِجانها، ورحُبَ مَهِبلها - وهو ظَبْيَتها - اسْتَرْخت رجلاها فَحشَتْها الريح وخارت لذلك وَرِكاها، وضعفت عن عَدْوها، وربما حُمل عليها فكَبَتْ.

ويستجيب فيها الأَفرُ والنَّفزُ، وهو القَفْزُ والنَّزْق. وذلك بأن تجمع قوائمها فلا تفرقها. وإن يكون حُضرها وثباً صعداً، مع اعتلاءٍ. واجتماع القوائم دليلٌ على شدة الخلق في الذكر والأنثى.

ورُوِى أنهم كانوا يًستحبوَّن إناث الخيل في الغارات والبَيَات، ولما خفِيَ من أمور الحرب، وكانوا يستحبون فحولَ الخيل في الصفوف والحُصون والسَّير والعسكر، ولما ظهر من أمور الحرب، وكانوا يستحبون خِصْيان الخيل في الكمين والطلائع لأنها أصبر وأبقى في الجهد.

[الباب العاشر]

[تعليم ركوب الخيل]

[على اختلاف حالاته]

فينبغي لمن يُريد التصرُّف على الدوابَّ أن يتعلم ما لا غنىً به عن معرفته، من إحسان الركوب على العُرْى وعلى السَّرج وإمساك العِنان، ويتعلم أصولاً من أعمال الفروسية، فيستعين بها على ركوب الخيل والثياب عليها.

واعْلَمْ - أرشدك الله - أن أصل الفروسية الثباتُ، وأن مبتدأها إنما هو الركوب على العُرْى من الخيل، ومن لم يتدرب أولاً على عُرْىٍ لم يستحكم ثبوته في الغالب، بل يكون أبداً قَلقاً في سرجه، لا سيما عند خَبَبه ورَكْضِه، فلا يؤمَنُ سقوطه أن اضطرب فرسه أو أصابته هَنَة.

فمن أراد التفُّرس على العُرى فليلبس ثياباً خَفَافاً مشهورة، ويلجم فرسَه، ويشدّ عليه جُلَّ صوف أو شعر وثيق الحزام واللبب، فأن الراكب على الجُلِّ أثبتُ منه على المجرَّد؛ ويقف على يسار فرسه عند منكبه، ويمسك عنانِ لجامه بيده اليسرى. وإن أخذ العُرفَ مع العنان فلا بأس به، ويثب بسرعة وخفة؛ فإذا استوى على ظهره جمع يديه في العنان عند كاهل الفرس، ونصبَ ظَهره، ولزم بفخِذَيه موضعَ دفَّتي السَّرج من ظهر الفرس، ويتقدم قليلاً، فالتقدم أحسن على العُرى من التأخر، ويمد ركبتيه وساقيه وقدميه إلى كتفي الفَرَس، حتى يمكنه أن ينظر إلى إبهامي قدميه، وليكن اعتمادُه على اللُّزوم بفخذيه، فبذلك يحوز الثبات، وكل من لزم ركوبه غير ذلك فلا ركوب ولا ثبات.

<<  <   >  >>