للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوابه: أن جذب الكليتين للدم المائي لا يلزم أن يكون لتغذية جميع أجزائها فإن جرم الكلية وإن كان صلباً كثير الأرضية فإن الشحم الكثير الذي يحتف بها جوهره جوهر مائي فلذلك إنما يتغذى بما فيه بكثير المائية جداً، وذلك الدم المائي لا بد فيه من دم متين، وذلك الدم المتين يقوم بغذاء جرم الكلية وما يبقى من الدم كثير المائية قليل الدموية جداً تصرفه الكلية إلى غذاء الشحم فلذلك يكون جذب الكلية لذلك الدم المائي ليس لما يغتذي به جوهرها فقط بل لتغذية جوهرها وتغذية شحمها فإن قيل وما السبب في خلقة الكلية كذلك وهلا كانت بجملة أجزائها من طبيعة واحدة وذلك بأن يكون من لحم رخو يصلح لأن يغتذي بهذا الدم المائي قلنا هذا لا يمكن. وذلك لأن جرم الكلية يحتاج أن يكون قوي الحرارة جداً ليقوى على جذب هذا الدم مع بعده، وليفي بتسخين أسفل الظهر فإن أسفل الظهر يغلب عليه البرد جداً وذلك لكثرة الأعضاء الباردة هناك وهي العظام والأغشية وجوهر العروق والأعصاب خاصة وهو لأجل بعده عن القلب يقل تسخنه بحرارته فلذلك يحتاج إلى عضو شديد الحرارة يتسخن به وذلك هو الكلى وهي بذاتها شديدة الحرارة وأحر كثيراً من الطحال لكن الطحال أكثر حرارة منها إذا اعتبرت الكلية هي وما عليها من الشحم.

وأما جرم الكلية نفسه فهو أشد حرارة من الطحال وإن هذا العضو يحتاج أن يكون شديد الحرارة فلا يمكن أن يكون جوهره لحماً رخواً فإن اللحوم الرخوة لا بد من أن تكون كثيرة الرطوبة وإنما يمكن ذلك إذا لم تكن الحرارة كثيرة فيها قوية شديدة التحليل للرطوبات ولذلك جرم الكلية لا يمكن أن يكون من لحم رخو فلا بد من أن يكون من لحم صلب، والأعضاء التي في أسفل الظهر مع أنها باردة فهي أيضاً يابسة كالعظام الأغشية والأعصاب وطبقات العروق. فلذلك الموضع يحتاج أيضاً إلى عضو يوطنه وإنما يكون ذلك حاراً.

كما أن العضو الحار جداً لا يمكن أن يكون كثير الرطوبة فلا بد من أن يكون ذلك العضو الرطب مغايراً للعضو المسخن وجرم الكلية مسخن بقوة وجرم الشحم مرطب بقوة مع أنه ليس بمبرد لأن الجرم الشحمي بما يفعله من السخونة لا بد من أن يكون مسخناً فلذلك اجتمعت هاتان المنفعتان في الكليتين فخلق جرمها حاراً وشحمها مرطباً ومجموعها يغتذي بدم ما في جرمها يغتذي كما في ذلك الدم من الدم المنتن وشحمها تغتذي بالباقي من ذلك المجموع أعني الدم المائي، وكل واحد من جانبي أسفل الظهر يحتاج إلى ما قلناه من التسخين والترطيب ولذلك احتيج أن يكون في كل جانب كلية ولو خلق للجانبين كلية واحدة لكانت هذه الكلية إن وضعت في الوسط فلا يخلو إما أن تكون عظيمة جداً حتى تصل مع ذلك إلى الجانبين فتزاحم الأعضاء التي هناك أو تكون صغيرة فيكون تسخينها إنما هو توسط اسفل الظهر فيكون تسخينها حيث لا يحتاج إلى تسخين لأن هذا الوسط يتسخن بالشريان والوريد العظيمين عليه، ويبقى جانبا أسفل الظهر بغير مسخن فلذلك لا بد من كليتين ولا يتم المقصود بواحدة وللكليتين منفعة أخرى غير ما ذكرناه وهي أنهما يعينان على تمام تكون المني وذلك بإسخانهما الدم النافذ في العروق الواصلة بينهما وبين الأنثيين وذلك هو الذي تنصب إليه المادة النازلة من الدماغ في عظام الصلب التي هي كالخميرة للمني فيحيل ذلك الدم إلى طبيعتها ويصير المجموع منياً ولذلك فإن صاحب الكلى الحارة باعتدال يكون كثير المني قوياً في الجماع والله ولي التوفيق.

فصل

تشريح المثانة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه كما أن الخالق تعالى خلق للثفل وعاءً ... إلى قوله: ليكون جسها بما يرتكز ويتمدد أكثر.

الشرح

<<  <   >  >>