للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما يتم الإبصار كما بيناه في موضعه بأن يصير الثقب العيني مواجهاً للمرئي. وعلى سمته حتى يتأدى شبحه إلى هناك. وهذه المواجهة قد تتحقق بحركة المرئي، وذلك قد لا يتأتى في كل وقت. أو يكون عسراً. وقد يتحقق بحركة الرائي، وهو أسهل وأسهل ذلك أن يكون المتحرك هو المقل نفسها مع بقاء البدن على وضعه. فلذلك ينبغي أن يكون للمقلة تمكن من جميع الحركات التي تتحقق معها مواجهة المرئيات. وهذه الحركة إما أن تكون مستقيمة أو مستديرة. فإن كانت مستقيمة فلا بد وأن تكون إلى جهة لكن الجهات ست: اثنان منها لا يحتاج إليهما وهما: الخلف والقدام. لأن المواجهة تتحقق بدونهما لأنها إنما تتوقف على المسامتة. وهي لا تختلف مع القرب والبعد، فتبقى الجهات التي تحتاج المقلة أن تتحرك بالاستقامة إلى واحدة منها أو إلى أكثر من واحدة أربعاً وهي: الفوق، والأسفل، واليمين، واليسار.

فلذلك حركة المقلة بالاستقامة إما إلى جهة واحدة فتكون إلى إحدى هذه الجهات، وكل واحدة منها إنما تكون بعضلة تحركها إلى تلك الجهة فتحتاج لذلك إلى أربع عضلات أو إلى أكثر من جهة واحدة. ولا يمكن أن يكون ذلك إلى أكثر من جهتين وإلا لزم أن تكون الحركة في حال واحدة إلى جهتين متضادتين ولا شك أن ذلك محال فينبغي أن تكون جهتين فقط. فالمحركة إلى فوق، إما أن تكون مع ذلك إلى اليمين أو إلى الشمال وكذلك المحركة الأسفل فيكون من ذلك أربع حركات ولكن هذه الحركات لا يحتاج فيها إلى عضلات غير تلك الأربع. وذلك لأن الحركة إلى اليمين والفوق تحصل بفعل العضلتين المحركتين إلى هاتين الجهتين.

وكذلك الباقي، فلذلك تتم حركات المقلة المستقيمة كلها بأربع عضلات وأما حركاتها على الاستدارة. فإنما يمكن على وجهين فقط، فلذلك تتم بإحدى عضلتين. فلذلك كانت العضلات المحركة للمقلة ستاً.

وقد قيل إنها خمس، وهو ظاهر الفساد.

وأما العضل التي تدعم العصبة المجوفة من وراء المقلة من الجحوظ المفرط عند التحديق القوي، كما عند تكلف رؤية الأشياء الصغيرة جداً من بعد فقط قيل إنها عضلة واحدة بسيطة. وهو المشهور والحق.

وقيل بل واحدة مركبة من عضلتين. وقيل بل ثلاث عضلات، وقيل إنها ليست واحدة بل اثنتان وقيل ثلاث. والله أعلم بغيبه.

الفصل الرابع

تشريح عضلات الجفن

والكلام يشتمل فيه على بحثين البحث الأول السبب في أن الجفن المتحرك هو الأعلى في الإنسان ونحوه هو الجفن الأعلى قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الجفن فلما كان ... إلى قوله: ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي الارتفاع.

الشرح كل حيوان فإما أن لا يكون له عين ظاهرة كالخلد. فهذا ظاهر أنه لا يحتاج إلى جفن البتة فضلاً عن حركة الجفن، أو تكون له عين ظاهرة، فإما أن يكون جلده صلباً كما في السمك، فهذا لا يمكن أن يكون له جفن يتحرك، فلا يكون له تغميض، فلا بد وأن تكون عينه صلبة لتكون بعيدة عن قبول الآفات أكثر أو لا يكون جلده صلباً. فإما أن يكون من الطيور أو لا يكون كذلك، فإن كان من الطيور كان الجفن المتحرك منه هو الجفن الأسفل، وهذا إما أن يكون من الجوارح فيكون مع ذلك بعينه غشاء صفاقي يتحرك من تحت الجفن يغطي به الحدقة تارة، ويكشفها أخرى، أو لا يكون من الجوارح فلا يكون له ذلك. فإن كان الحيوان الذي جلده لين ليس من الطيور، فلا بد وأن يكون جفنه المتحرك هو الجفن الأعلى. وذلك لأن المتحرك لو كان هو السافل لكانت العضل المشيل له إلى فوق، إما أن يتصل بطرفيه أو بأحدهما فلا يلزم من رفع ذلك رفع وسط الجفن فلا يتم تغميض العين بل يبقى الموضع الذي الحاجة إلى ستره أشد، وهو موضع الباصر مكشوفاً أو يكون اتصال ذلك العضل بوسط الجفن فيلزم ذلك ستر موضع الباصرة بالوتر النازل دائماً. وذلك مبطل لفائدة العين.

فلذلك كانت حركة الجفن الأسفل في هذا الحيوان مما لا يجوز البتة فوجب أن يكون المتحرك هو الجفن الأعلى.

<<  <   >  >>