للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المسألة الثانية: فقد أجاب الشيخ عنها، وذلك لأن هذه الأعصاب لما كانت مع لينها تحتاج إلى قطع مسافة بعيدة احتيج إلى توثيقها وخاصة في المواضع المذكورة ولا كذلك باقي الأعصاب فإنها إما صلبة كالنخاعية أو لينة. ولكنها لا تحتاج إلى مسافة بعيدة كالدماغية التي في الوجه والرأس.

قوله: فما كان المنفعة فيه إفادة الحس أبعد من منبعثه على الاستقامة يريد بذلك أن شأنه يكون كذلك إذا لم يكن هناك سبب آخر يوجب خروجه عن الاستقامة كما في الأعصاب الآتية إلى العينين.

قوله: بل كلما كانت ألين كانت لقوة الحس أشد تأذية ينبغي أن يقال: كان الحس أتم وأكمل، وذلك لأن العصب اللين أشد انفعالاً عن الملاقيات وأسرع انفعالاً، فإذا كان كذلك كان إدراك القوة لانفعاله أسرع وأكثر. وهذا فيما يكون الحس فيه بالملاقاة.

وأما ما ليس كذلك كحس البصر فإنه لا يكون كذلك وأما أن زيادة اللين تقتضي أن يكون تأذية القوة أشد أو أكثر فليس بلازم. والله ولي التوفيق.

الفصل الثاني

تشريح العصب الدماغي ومسالكه

والكلام في هذا الفصل يشتمل على سبعة مباحث: البحث الأول تشريح الزوج الأول قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قد ينبت من الدماغ أزواج ... إلى قوله: والزوج الثاني من أزواج العصب الدماغي منشؤه خلف.

الشرح إن لهذا الزوج من العصب خواص ليست لغيره: إحداها: أنه ينبت من أو ل مقدم الدماغ، وإنما كان كذلك لأن الروح النافذ فيه يجب أن يكون شديد الرطوبة المائية حتى يكون من جنس جوهر البخار متوسطاً بين طبيعة الماء والهواء وإنما كان كذلك لأنه يحتاج أن تنطبع فيه أشباح المرئيات، وذلك لا يتأتى في مثل جوهر الماء لذلك لا ترى أشباح الأشياء في الهواء الصافي بل في الهواء الرمادي وهو الكثير المائية، ولذلك إنما ترى الهالة وقوس قزح ونحو ذلك في هواء هو بتلك الصفة ولذلك كثيراً ما يعرض لراكب السفينة أن يرى خياله في هواء البحر، وذلك لشدة مخالطته للأجزاء المائية التي تتصعد إليه بالتبخر وأيضاً يحتاج هذا الروح إلى سرعة شديدة في الحركة حتى يمكن أن يؤدي الشبح إلى أمام القوة الباصرة في زمان غير محسوس. وذلك مما لا يتأتى في مثل جوهر الماء، فلا بد وأن يكون هذا الروح كالمتوسط بين الماء والهواء وإنما يكون كذلك إذا كان تولده في أو ل مقدم الدماغ ونفوذه في عصب في غاية ما يمكن من الرطوبة الممكنة للعصب وإنما يكون العصب كذلك إذا كان منشؤه من أرطب جزء من جرم الدماغ، وهو ذلك الموضع.

الخاصية الثانية: أن هذا العصب ذو تجويف ظاهر، وإنما كان كذلك لأن إحساس القوة الباصرة إنما يتم بانطباع شبح المرئي في الروح النافذ في هذا العصب على ما نبينه في موضعه. وانطباع الشبح إنما يكون في سطح له مساحة ظاهرة وإنما يمكن ذلك إذا كان الروح المنطبع فيه الشبح في موضع متسع، وليس يكفي أن يكون ذلك الاتساع في موضع الانطباع فقط. بل لا بد وأن يكون في مسافة نفوذ الروح بالشبح إلى أمام القوة الباصرة ليمكن نفوذها والشبح فيها بحاله، ولا يكفي ذلك أيضاً بل ولا بد وأن يكون في مسافة نفوذ تلك الروح راجعة إلى الدماغ أيضاً ليمكن إيصالها الشبح إلى موضع القوة التي تسمى الخيال كما نبينه في موضعه.

فلذلك لا بد وأن يكون هذا العصب مجوفاً من أو له إلى آخره خصوصاً وهذا الروح ولا بد وأن يكون غليظ القوام ليكون كالمتوسط بين قوام الماء والهواء، ولا بد وأن يكون كبيراً لتكون منه أجزاء تقبل الأشباح الواردة وأجزاء تؤدي شبحاً بعد شبح ولا بد وأن يكون سريع الحركة جداً، ليمكن تأدية الشبح في زمان غير محسوس. وإنما يمكن ذلك إذا كان منفذه شديد الاتساع.

<<  <   >  >>