. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْمُكَلَّفِ زَالَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. كَزَوَالِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، لَا أَنَّ الْفِعْلَ يَرْتَفِعُ.
ش - الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ - أَنْ يُقَالَ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِمَ اسْتِمْرَارَ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ أَبَدًا، فَحِينَئِذٍ لَا نَسْخَ لَهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ وُقُوعُ خِلَافِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُحَالٌ.
أَوْ عَلِمَ اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ.
أَجَابَ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْسَخُ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِيهِ.
وَعِلْمُ اللَّهِ بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ لَا يَمْنَحُ النَّسْخَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِهَاؤُهُ بِالنَّسْخِ لَا بِنَفْسِهِ.
ش - هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: النَّسْخُ وَاقِعٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تُخَالِفُ شَرِيعَتَنَا.
وَعَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَعَلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ.
كَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ عَلَى مُنَاجَاتِهِ.
وَكَنَسْخِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ.
[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ]
ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ.
وَالْمُخْتَارُ: جَوَازُهُ، خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ يَقُولَ - قَبْلَ الْحَجِّ -: لَا تَحُجُّوا.
وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - أَنَّهُ ثَبَتَ فِي مَبَادِئِ الْأَحْكَامِ أَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ (وَقْتِ) مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ جَوَازُ رَفْعِ التَّكْلِيفِ الثَّابِتِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِالنَّاسِخِ، كَمَا جَازَ رَفْعُهُ بِالْمَوْتِ.
وَالثَّانِي - أَنَّ كُلَّ نَسْخٍ كَذَلِكَ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ رَفَعُ التَّكْلِيفَ، وَرَفْعُ التَّكْلِيفِ بَعْدَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَمَعَهُ مُمْتَنِعٌ ; أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إِنْ أَتَى الْمُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ