للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

كَقَوْلِنَا: جُزْءُ الْجَوْهَرِ يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ، وَمَا لَيْسَ بِجَوْهَرٍ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ. فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قَوْلَنَا: الْجَوْهَرُ جَوْهَرٌ، وَلَكِنْ لَا لِنَفْسِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ عَكْسِ نَقِيضِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: مَا يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ فَهُوَ جَوْهَرٌ.

وَكَذَا خَرَجَ عَنْهُ: الْأَمَارَةُ ; فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ لِنَفْسِهَا قَوْلًا آخَرَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَمَارَةِ وَمَا تُفِيدُهُ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ يَقْتَضِي لُزُومَ الْقَوْلِ الْآخَرِ عَنْهَا.

وَالدَّلِيلُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ أَخَصُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ؛ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْأَوَّلِ بِدُونِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَوْلِ، وَصِدْقِ الثَّالِثِ بِدُونِهِ عَلَى الْقَضَايَا الْمُرَتَّبَةِ تَرْتِيبًا صَحِيحًا، وَصِدْقِهِمَا مَعًا عَلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهَا إِلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ.

وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّابِعِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. وَالرَّابِعُ أَخَصُّ مِنَ الثَّالِثِ مُطْلَقًا ; ضَرُورَةَ خُرُوجِ الْأَمَارَةِ عَنْهُ.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذِكْرَ خُصُوصِيَّةِ الْقَوْلِ ; إِذِ اسْتِحْضَارُ الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَلْزُومًا، وَلَوْ مَا يَتَخَيَّلُ الْقَوْلَ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، يَكُونُ دَلِيلًا، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَخْصُوصًا بِالْقَوْلِ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَخْصِيصُ مَا فِي قَوْلِهِ " مَا يُمْكِنُ " أَيْضًا لِقَوْلِ: فِيهِ مَا فِيهِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَصْطَلِحَ قَوْمٌ عَلَى تَخْصِيصِ الدَّلِيلِ بِالْقَوْلِ، وَقَوْمٌ عَلَى عَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِهِ.

ش - أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنْ مُقَدَّمَتَيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْخَبَرِيَّ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَابُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الدَّلِيلِ أَمْرٌ يُوجِبُ الْعِلْمَ أَوِ الظَّنَّ بِهِ. وَذَلِكَ الْأَمْرُ يُسَمَّى " الْوَسَطَ ". وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمَطْلُوبِ ".

وَالْوَسَطُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَيَحْصُلُ الصُّغْرَى، وَالْمَحْكُومُ بِهِ حَاصِلًا لَهُ أَوْ مَسْلُوبًا (عَنْهُ، أَوِ الْوَسَطُ) مَسْلُوبًا عَنِ (الْمَحْكُومِ بِهِ) فَيَحْصُلُ الْكُبْرَى. فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتِ الْمُقَدِّمَتَانِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصٌ بِالشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَبِضُرُوبِ الشَّكْلِ الثَّانِي الَّتِي صُغْرَاهَا مُوجَبَةٌ.

وَلَا يَخْتَصُّ بِالِاقْتِرَانِيِّ الْحَمْلِيِّ كَمَا ظَنَّ بَعْضٌ، بَلْ يَتَنَاوَلُ الشُّرْطِيَّ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بَيَانَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، لِأَنَّ بَاقِيَ الْأَشْكَالِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَلْزِمٍ حَاصِلٍ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومِ بِهِ حَاصِلٌ لَهُ أَوْ مَسْلُوبٌ عَنْهُ ".

[[النظر]]

ش - لَمَّا ذَكَرَ النَّظَرَ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَعْنَاهُ. وَالنَّظَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَصَرِيِّ وَعَلَى الْفِكْرِيِّ وَالْمُرَادُ هَهُنَا هُوَ الثَّانِي. فَلِذَلِكَ قَالَ: النَّظَرُ: الْفِكْرُ.

وَالْفِكْرُ يُطْلَقُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي آلَتُهَا مُقَدَّمُ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنَ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّى بِالدُّودَةِ، أَيَّةُ حَرَكَةٍ كَانَتْ (أَعَمُّ مِنْ) أَنْ تَكُونَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَوْ فِي الْمَعْقُولَاتِ. وَعَلَى حَرَكَتِهَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْمَطَالِبِ إِلَى الْمَبَادِئِ وَرُجُوعِهَا عَنْهَا إِلَى الْمَطَالِبِ.

(وَقَدْ يُرْسَمُ) الْفِكْرُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِأَنَّهُ: تَرْتِيبُ أُمُورٍ حَاصِلَةٍ فِي الذِّهْنِ ; لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى أُمُورٍ مُسْتَحْصِلَةٍ.

وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ مِنَ الْمَطَالِبِ إِلَى الْمَبَادِئِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ الرُّجُوعُ مِنْهَا إِلَى الْمَطَالِبِ جُزْءًا مِنْهُ.

وَلَمَّا كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْفِكْرَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي - قَالَ: " الَّذِي (يُطْلَبُ مِنْهُ) عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ " تَصَوُّرًا أَوْ تَصْدِيقًا.

[[العلم]]

ش - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَفِي تَحْدِيدِهِ، لَا لِخَفَائِهَا بَلْ لِغَايَةِ وُضُوحِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>