للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ.

وَلَهَا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ السُّكْرِ حَالَةَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ، إِنْ كَانَ نُزُولُ الْآيَةِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، لَا النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ حَالَةَ السُّكْرِ. مِثْلَ مَا يُقَالُ: لَا تَمُتْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ. أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الظُّلْمِ عِنْدَ الْمَوْتِ، لَا النَّهْيَ عَنِ الْمَوْتِ حَالَةَ الظُّلْمِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السَّكْرَانِ: الثَّمِلُ. وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مِنْهُ مَبَادِئُ النَّشَاطِ وَالطَّرَبِ وَمَا زَالَ عَقْلُهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَكَامَلَ فِيكُمُ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ. وَيَكُونُ تَسْمِيَةُ الثَّمِلِ بِالسَّكْرَانِ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يُئُولُ إِلَيْهِ.

وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَإِنْ فَهِمَ الْمُكَلَّفُ الْخِطَابَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، لِعَدَمِ تَثَبُّتِ الثَّمِلِ فِي الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ يَعْسُرُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِتْمَامُ الْخُشُوعِ وَمُحَافَظَةُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، كَالْغَضْبَانِ.

[[تعلق الأمر بالمعدوم]]

ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الشَّيْخُ: نَعَمْ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ، أَنَّ الْمَعْدُومَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا ; فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَأْمُورَيْنِ، وَهُمَا أَقْرَبُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَأْمُورِينَ مِنَ الْمَعْدُومِ. بَلِ الْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْدُومِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ وَاسْتَعَدَّ لِفَهْمِ الْخِطَابِ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ الطَّلَبِ الْقَدِيمِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ الطَّلَبِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ أَزَلِيًّا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>