للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ، إِجْمَاعٌ وَحَجَّةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَيْسَ وُقُوعُ هَذَا الْإِجْمَاعِ بِبَعِيدٍ عَادَةً ; لِجَوَازِ وُقُوفِهِمْ عَلَى سَنَدٍ جَلِيٍّ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ.

وَأَمَّا اتَّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ، فَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ مُمْتَنِعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ.

ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حُجَّةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

وَمَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، قَالَ: إِجْمَاعٌ ; لِأَنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ لَمْ يَكُنْ رَافِعًا لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ وَإِنْ دَلَّ عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ; ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ شَرْطِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا اخْتِلَافًا وَاحْتِجَاجًا وَاعْتِرَاضًا وَجَوَابًا. إِلَّا أَنَّ كَوْنَ الِاتِّفَاقِ حُجَّةً هَهُنَا أَظْهَرُ مِنْ ثَمَّةَ ; لِأَنَّ هَهُنَا لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ اتِّفَاقُهُمُ اتِّفَاقَ كُلِّ الْأُمَّةِ. بِخِلَافِ ثَمَّةَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْضُ الْأُمَّةِ ; لِأَنَّ لِغَيْرِهِمْ قَوْلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

[عَدَم عِلْمِ الْأُمَّةِ بِخَبَرٍ]

ش - الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ يَقْتَضِي حُكْمًا عَلَى الْمُكَلِّفِينَ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ دَلِيلٌ آخَرُ، لَمْ يَجُزْ عَدَمُ عِلْمِ الْأُمَّةِ بِهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، كَانَ عَمَلًا بِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ بَلْ عَنْ تَشَهٍّ، وَالْعَمَلُ بِالْحُكْمِ عَنِ التَّشَهِّي لَا يَجُوزُ. وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ كَانَ تَرْكًا لِلْحُكْمِ الْمُتَوَجِّهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ رَاجِحٌ، أَيْ بِلَا مُعَارِضٍ، وَقَدْ عَمِلَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ بِدَلِيلٍ آخَرَ.، فَهَلْ يَجُوزُ عَدَمُ عِلْمِ الْأُمَّةِ بِهِ أَوْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ.

وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ اشْتِرَاكَ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ أَوِ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ لَمْ يُوجِبْ مَحْظُورًا ; إِذْ لَيْسَ اشْتِرَاكُ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ إِجْمَاعًا حَتَّى يَجِبَ مُتَابَعَتُهُمْ، بَلْ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ كَعَدَمِ حُكْمِهِمْ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَحْكُمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ، فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْعَى فِي طَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ لِيَعْلَمَ.

وَاحْتَجَّ النَّافِي بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَدَمُ عِلْمِ جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ لَحَرُمَ تَحْصِيلُ الْعِلْمَ بِهِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ.

بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِهِ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَاتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>