للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: اذكر الموت]

إخواني: أكثروا من ذكر هاذم اللذات وتفكروا في انحلال بناء اللذات، وتصوروا مصير الصور إلى الرفات، وأعدوا عدةً تكفي في الكفات، واعلموا أن الشيطان لا يتسلط على ذاكر الموت، وإنما إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من باب الغفلة.

قال الحسن: إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب به فرحاً.

وقال يزيد بن تميم: من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع.

سئل ابن عياض عن، ما بال الآدمي تستنزع نفسه، وهو ساكت، وهو يضطرب من القرصة؟ قال: لأن الملائكة توقفه.

يا بن آدم، مثل تلك الصرعة قبل أن تذر كل غرة فتتمنى الرجعة، وتسأل الكرة، كم من محتضر تمنى الصحة للعمل هيهات حقر عليه بلوغ الأمل أو يكفي في الوعظ مصرعه، أو ما يشفي من البيان مضجعه.. أما فاته مقدوره بعد إمكانه.. أما أنت عن قليل في مكانة.

ولما احتضر عبد الملك بن مروان قال: والله لوددت أني عبد رجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم أل.

وجعل المعتضد يقول عند موته: ذهبت الحيل فلا حيلة حتى صمت.

وقال أبو محمد العجلي: دخلت على رجل في النزع فقال لي: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي، وفي الحديث: «أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات؟!» .

يا من قد امتطى بجهله مطايا المطالع، لقد ملأ الواعظ في الصباح المسامع، تالله لقد طال المدى فأين المدامع؟ أين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى منازع، رمتهم المنايا بسهامها في القوى والقواطع، فعلموا أن أيام النعم في زمان الخوادع، ما زال الموت يدور على الدوام حتى طوى الطوالع، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع، ولقوا الله غاية البلاء في تلك البلا قع، جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا، وبنوا مساكنهم فما سكنوا، فكأنهم كانوا بها ظعناً لما استراحوا ساعة ظعنوا.

لقد أمكنت الفرصة أيها العاجز، ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز، ولاح نور الهدى فالمجيب فائز، وتعاظمت الرغائب وتفاقمت الجوائر، فأين الهمم العالية، وأين النجائز؟ أما تخافون هادم اللذات والمنى والمناجز.

أما اعوجاج القناة دليل الغامز.

أما الطريق طويل وفيه المفاوز.

أما عقاب العتاب تحوي الهزاهز.

أما القبور قنطرة العبور فما للمجاوز.

أما يكفي في التنقيص حمل الجنائز.

أما العدد كثير فأين المبارز؟ أما الحرب صعب والهلك ناجز، والقنا مسوغ والطعن واجز، والأمر عزيز والرماح البوس نواكز.

تالله بطلت الشجاعة من بني العجائز، وتريد إصلاح نادك والأمر ناشز.

إن لم يكن سبق الصديق فليكن توبة ماعز.

<<  <   >  >>