للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] . "إن المؤمنيون لا ينفرون كافة، ولكن ينفر من كل فرقة منهم طائفة -على التناوب- لتتفقه في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة، وتنذر الباقين من قومهم إذا رجعت إليهم بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة".

"وجهاد النفس لون من أشق ألوان الجهاد؛ لأنه جهاد ضد النفس الأمارة بالسوء، والهوى الغلاب، والغريزة الطاغية، والشهوة المنحرفة، والمواريث الساقطة، والتقاليد الهابطة، والعادات السيئة، والثقافات المنحرفة الوافدة"، والصبر على الفترات التي يعلو فيها الباطل وينتفش ويبدو كالمنتصر؛ والصبر على طول الطريق وبعد المشقة وكثرة العقبات في طريق محفوف بالمكاره.

إن هذا اللون من الجهاد هو الذي يحدث تفاعلا داخليا وخارجيا يتولد عنه إنسان متميز متبوعا لا تابعا، ورأسا لا ذليلا، ومغيرا بإرادته وطاقاته التي منحه الله إياها، وليس مجرد ترس في عجلة الحتمية التاريخية أو الحتمية المادية أو أية حتمية أخرى!

وحين يفقد الإنسان هذا اللون من جهاد النفس، فإنه يتحول إلى مسخ مشوه للإسلام ولكل الفلسفات والنظريات الأخرى، فتجد المسلم الاشتراكي، والمسلم الشيوعي، والمسلم الرأسمالي، والمسلم الوجودي، وهلم جرا..!

ومن أهم ألوان الجهاد المطلوبة اليوم، الجهاد الاجتماعي، أي: الجهاد من أجل تعديل أوضاع المجتمع المسلم التي انحرفت عن طريق الله. ويكون ذلك عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة, إنه من الضروري أن نتعامل بإيجابية وفاعلية من أجل تصحيح الأوضاع الاجتماعية التي لا تستقيم مع منهج الله. فالاستغلال -ضد التوحيد- والتفاوت الاجتماعي البغيض ضد التوحيد. والجوع الكافر قد لا يترك للمرء لحظة يتذكر فيها الله، ولذلك كان التوحيد النقي دائما حربا على الجوع والاستغلال.

والاستبداد يتنافى مع منهج الله تماما، لأن الاستبداد في جوهره تقزيم للذات البشرية وحصر لدائرة تطلعاتها، وإنكار لمبدأ المساواة والعدالة بين الناس.. القهر السياسي يتصادم بالضرورة مع تكريم الله للإنسان؛ لأنه يحرم الإنسان من اكتشاف حقيقة الوجود، والاستقامة مع مقتضياتها، فالإنسان -حينئذ- يستبدل الخوف من الله بالخوف من البوليس، واستشعار رقابة الله، بالاحتياط من رقابة المخابرات١.

وإذا كان المجتمع الإنساني كله في كل مكان وزمان هو موضع للدعوة، والجهاد في سبيلها فإن ذلك يستوجب ضرورة أن يتسع مفهوم الجهاد طبقا لظروف المجتمع ومتطلبات العصر وحاجات الناس ومشكلاتهم، فهو ليس مجرد قتال من أجل الدعوة في ميدان القتال، وإنما هو أيضا جد في طلب العلم، وإحسان في العمل، وإحسان في تربية الأجيال، وبذل للنفس، وبذل للمال.. وهكذا كل نشاط تستقيم به حياة الإنسان على منهج الله، هو جهاد في سبيل الله.


١ علي أحمد مدكور: "الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي ودورهما في محتوى المناهج التربوية "دراسات تربوية"، المجلد السابع، الجزء "٤١"، ١٩٩٢م، ص٥٧.

<<  <   >  >>