للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٦- أن يتأكد لدى الطلاب المفهوم الصحيح للعمل:

لا بد أن يفهم الناشئة أنه ليس المراد بالعمل الانصراف عن أمور الدنيا وقضاياها والكد والكدح فيها والاشتغال بأمور ثانوية في الدين، كالخلافات المذهبية، والدروشة، ومناقشات مدى إخلاص أو عدم إخلاص بعض الناس العاديين أو المفكرين. وليس من العمل الجاد الذي تعمر به الحياة وترقى، أن يترك كل ذي تخصص تخصصه في الطب والهندسة والعمارة والطبيعة والكيمياء والرياضيات وعلوم الحرب، وعلوم الإدارة وعلوم ارتياد الفضاء، وكل العلوم التي نحن فقراء إلى النابغين فيها، إلى الاشتغال بأحكام التجويد وعلامات الساعة، وإطالة اللحى وتقصير الثياب ... إلخ.

لا بد أن نعمق في شعور الناشئة أن العمل الذي تعمر به الحياة وترقى، هو أن ينصر كل منهم الإسلام في ميدان تخصصه بالإنجاز فيه والإبداع. يقول الشيخ الغزالي: "من المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالا بالدنيا، عجزة عن الحياة.. وإنه لفشل دفعنا ثمنه باهظا عندما خبنا في ميادين الحياة. وحسبنا أن مثوبة الله في كلمات تقال، ومظاهر تقام.. إن الله لا يقبل تدينا يشينه هذا الشلل المستغرب, ولا أدري كيف نزعم الإيمان والجهاد ونحن نعاني من هذه الطفولة التي تجعل غيرنا يداوينا، ويمدنا بالسلاح إذا شاء"١.

لا بد أن تدرك الناشئة ارتباط العمل بالعبادة، فالإنسان المسلم عابد لله ما دام متجها بعمله ونشاطه كله لله. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار". "رواه الشيخان".

وعن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر. قال: فنزلنا منزلا في يوم حار، أكثرنا ظلا صاحب الكساء. فمنا من يتقي الشمس بيده، قال فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال -صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله" "أخرجه الستة".

إن الأجيال المسلمة لا بد أن تدرك أن المقصود ليس مجرد "العمل" وإنما "الإحسان في العمل": {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: ٣٠] .

والإحسان في العمل ذو شقين: الشق الأول هو استخدام أقصى درجة المهارة والإتقان فيه. يؤكد هذا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" [رواه الستة] . ولكن هل يكفي الإتقان في العمل لبناء حضارة إنسانية راقية؟ الإجابة الصحيحة أن ذلك لا يكفي. وهنا نصل إلى الشق الثاني لمعنى "الإحسان في العمل" وهو أن تتوجه بالعمل لله، لأنك ترى الله في العمل، وتؤمن بأن الله يراك"٢.

وهكذا.. فإن العامل المحسن لن يسمح باستخدام نتاج عمله ومهارته في خراب الدنيا، لأنه خلق للعمل على إعمارها على عهد الله وشرطه. فهذا هو مقتضى الخلافة في الأرض وهو مفهوم العبادة.


١ محمد الغزالي: عقيدة المسلم، ط٤، دمشق، دار القلم ١٤٠٣هـ ١٩٨٣، ص١٨٠.
٢ علي أحمد مدكور: نظريات المناهج التربوية، القاهرة، دار الفكر العربي، ١٤١٧هـ-١٩٩٧م، ص٢٠٥.

<<  <   >  >>